في عهد القيادة الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- لم يعد بإمكان أي فاسد الإفلات من العقاب، وهذا ما تؤكده كلمة خادم الحرمين الشريفين عندما قال: «المملكة لا تقبل فساداً على أحد، ولا ترضاه لأحد، ولا تعطي أياً كان حصانة في قضايا الفساد»، ثم أكد ذلك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- بمقولته: «لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد أيّاً من كان، لن ينجو، سواءً كان وزيراً، أو أميراً، أو أي أحد تتوفر عليه الأدلة الكافية سوف يُحاسب». ومن هذا المنطلق نستعرض جهود هيئة الرقابة ومكافحة الفساد التي أُسّست لاستكمال مسيرة حماية النزاهة وتعزيز مبدأ الشفافية في جميع أعمالها، حيث صدر الأمر الملكي القاضي بالموافقة على الترتيبات التنظيمية والهيكلية المتصلة بمكافحة الفساد المالي والإداري، حيث قضى بضم هيئة الرقابة والتحقيق والمباحث إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وتعديل اسمها إلى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، وإنشاء وحدة تحقيق وإدعاء جنائيةً في الهيئة، وتعمل الهيئة على ضمان توفير معلومات شفافة وواضحة للجمهور بشأن أنشطتها وقرارتها وتعزيز المشاركة المجتمعية والمساءلة العامة، كما تعمل هيئة الرقابة ومكافحة الفساد على تعزيز ثقافة المساءلة والعدالة في المجتمع، وتهدف إلى ضمان أن يتم محاسبة المسؤولين عن الفساد وتقديمهم للعدالة دون تمييز أو تهاون. كشف الجرائم وحققت المملكة بجهودها المبذولة خلال الثلاث السنوات الأخيرة إنجازات عظيمة لمحاربة الفساد الإداري والمالي والقضاء عليه وتطهير المجتمع من آثاره الخطيرة وتبعاته الوخيمة على الدولة في مؤسساتها وأفرادها ومستقبل أجيالها، حيث استقبلت الهيئة أكثر من 47 ألف بلاغ سنوياً، وبفضل التحقيقات الدقيقة والرصد المستمر نجحت الهيئة في كشف جرائم الفساد التي تسببت في خسائر مالية للدولة بأكثر من 12 مليار ريال ليتم استردادها كقيمة المبالغ المالية المتورطة في هذه الجرائم، واستعادة أكثر من 8 مليارات ريال لخزينة الدولة، وبفضل جهود هيئة الرقابة ومكافحة الفساد تم اكتشاف وإحالة العديد من القضايا المتعلقة بتجاوزات ومخالفات استغلال الأراضي لجهات الاختصاص، وبفضل العمل الجاد والحازم للهيئة صدرت أحكام بنقض تلك المخالفات وتجاوزات الأراضي بمساحات شاسعة، ومن أبرز قضايا الفساد التي باشرتها الهيئة: الرشوة، واستغلال النفوذ، والتزوير، والاختلاس، وغسل الأموال. وانعكست نجاحات المملكة في مكافحة الفساد على المؤشرات الدولية، حيث أحرزت المملكة تقدماً بسبعة مراكز عالمية في ترتيب مؤشر مدركات الفساد CPI لعام 2019م، والذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية، حيث تقدمت في مركزها بين مجموعة دول العشرين الاقتصادية لتحقق المركز العاشر، وذلك بدعم لا محدود من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله-، وجهود هيئة الرقابة ومكافحة الفساد لم تتوقف عند حدود مباشرة قضايا الفساد والقبض على صاحبها، بل إنها تخطت ذلك لتكون اليوم عضواً فاعلاً في مكافحة الفساد ليس على المستوى المحلي والإقليمي فقط بل على المستوى الدولي. اتفاقات ومبادرات والفساد ظاهرة عالمية مرتبطة بجرائم منظمة عابرة للحدود، إذ عملت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد على العديد من الاتفاقات والمبادرات مع الأجهزة النظيرة للحد من هذا الفساد والحفاظ على الأموال العامة، لتطرح المملكة أثناء رئاستها لقمة مجموعة العشرين 2020م في انعقاد أول اجتماعي وزاري لأجهزة إنفاذ القوانين المعنية بمكافحة الفساد لدول مجموعة العشرين، فكرة تأسيس شبكة عالمية لمكافحة الفساد، والتي عُرفت باسم «مبادرة الرياض العالمية لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد» -Globe Network- التي تهدف إلى إقامة اتصال مباشر بين سُلطات إنفاذ القانون المعنية في مكافحة الفساد وتعزيزه، وحظيت بتأييد قادة مجموعة العشرين، حيث ساهمت بعشرة ملايين دولار لإنشاء الشبكة، وهذا ما يؤكد حرصها وعزمها على معالجة التحديات التي تؤثر على جهود المكافحة، ومنها الملاذات الآمنة ومتابعة قضايا الفساد العابرة للحدود، وفي 2021م دشن الأمين العالم للأمم المتحدة في مقره مبادرة الرياض مُثمناً دور المملكة في تأسيسس شبكة عالمية لمكافحة الفساد، وأيضاً مبادرة عقد أول اجتماعي وزاري لأجهزة إنفاذ القوانين المعنية في مكافحة الفساد بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية خلال عام 2022م في منطقة جدة، لتعزيز التعاون بين أجهزة إنفاذ القانون المختصة بمكافحة الفساد بتنظيم هيئة الرقابة ومكافحة الفساد بالمملكة -دولة الرئاسة-، ورفع مستوى التنسيق وتعزيز قدرة دول المجلس على ملاحقة مرتكبي جرائم الفساد العابرة للحدود والعائدات الناتجة عن أنشطتهم الإجرامية واتخاذ الإجراءات الاحترازية أو التحفظية بشأنها وفق القوانين الوطنية المعمول بها في كل دولة من دول المجلس. كفاءة عالية وتم انعقاد أول اجتماع وزاري لأجهزة إنفاذ قوانين مكافحة الفساد في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي في العام 2022م، والذي تم فيه اعتماد مشروع قرار اتفاقية مكةالمكرمة للدول الأعضاء والتي تهدف إلى تعزيز التعاون بين سلطات إنفاذ قوانين مكافحة الفساد بكفاءةً وسرعةً عالية، وتشجيع الانضمام لشبكة مبادرة الرياض العالمية وتوفير إطار قانوني لتبادل المعلومات والتحريات بشكل مباشر وسريع، وفي عام 2023م تم تدشين المرحلة الثانية من مشروع مبادرة نزاهة العالمية لقياس الفساد بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي الأكاديمية الدولية لمكافحة الفساد، والذي يهدف إلى تطوير منهجية جديدة وأكثر موثوقية وموضوعية قائمة على الأدلة العلمية لقياس الفساد، بعد أن اتخذت الهيئة خطوة استباقية بإطلاق مبادرة عالمية لقياس معدلات الفساد في العام 2021، لينشأ على ضوئها فريق خبراء دولي مهمته الرئيسة تطوير منهجية علمية تسهم في وضع استراتيجيات فعالة لمنع الفساد ومكافحته. ظاهرة خطيرة وقال دكتور علم الجريمة هايل الرويلي: «يُعد الفساد من المواضيع المهمة التي حظيت باهتمام كبير في الآونة الأخيرة في المملكة، وأصبح ينظر للفساد بجميع أنماطه من رشاوى واختلاسات واستغلال للسلطة على أنه مشكلة كبيرة على المستوى المحلي؛ لما له من تأثير على كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية في المملكة، بالإضافة إلى تأثيره السلبي على كافة قطاعات المجتمع، والمملكة كغيرها من دول العالم لم تسلم من انتشار هذه الظاهرة الخطيرة، خاصةً مع التطورات الكبيرة التي حدثت فيها نتيجة الانفتاح الاقتصادي والثقافي والعلمي والتطور التكنولوجي، وظهر ذلك جلياً في المؤشرات الدولية السابقة الخاصة بتقييم الفساد في دول العالم، مما كان له آثار سلبية وضارة على كافة القطاعات في المملكة، وإعاقة برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفرص جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية، بما يتعارض مع تطلعات رؤية المملكة 2030، التي تستهدف تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط مصدراً رئيساً، والدفع نحو التنمية المستدامة»، مضيفاً أنه «انتشرت جرائم الفساد في الفترات السابقة في المملكة نتيجة لعدد من العوامل الإدارية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والشخصية، وعلى وجه الخصوص نتيجة الرغبة في الحصول على المكاسب الاقتصادية والوظيفية بطرق غير شرعية، واستغلال بعض العاملين في القطاع العام والخاص النفوذ والسلطة الممنوحة لهم دون حق أو رادع ديني أو أخلاقي أو قانوني، لذا كان من الضرورة البدء في التنفيذ العملي لمواجهة ومحاربة الفساد بكافة صوره في القطاعين العام والخاص في المملكة، وبحمد الله عز وجل، فقد أثمرت جهود المملكة عن وجود تحسن كبير في المؤشرات الدولية الخاصة بمكافحة الفساد. تحسن كبير وأوضح د. الرويلي أنه منذ بداية عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وتولي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد -حفظهما الله- الإشراف المباشر على عمليات مكافحة الفساد؛ والمملكة تخوض حربًا على الفاسدين مهما كانت مواقعهم الوظيفية أو مكانتهم في المجتمع؛ الأمر الذي أدى إلى تحسن كبير في مؤشر مدركات الفساد للمملكة في السنوات الأخيرة، حيث أحرزت المملكة تقدمًا بسبعة مراكز عالمية في ترتيب مؤشر مدركات الفساد CPI لعام 2019م؛ وكذلك حققت المملكة المركز (51) عالميًّا، من أصل (180) دولة، وتقدمت في مركزها بين مجموعة دول العشرين الاقتصادية G20 لتحقق المركز العاشر، وحافظت المملكة على أفضل أداء في مؤشر مدركات الفساد لعامي 2021 و2022م، وتشارك المملكة المجتمع الدولي في محاربة الفساد من خلال توقيعها ومصادقتها على عدد من الاتفاقيات الخاصة بمكافحة الفساد، مشيداً بجهود المملكة في محاربة الفساد من خلال رؤية 2030، والتي وضعت مساراً شاملاً لمحاربة الفساد وتعزيز الشفافية والنزاهة في أجهزة الدولة، حيث شددت الرؤية على وضع الشفافية كمنهج عمل في كافة قطاعات الدولة، مع التأكيد على عدم التهاون أو التسامح مع كافة أشكال الفساد سواء الفساد الصغير أو الكبير، أو الفساد العرضي أو الفساد المنظم، وإدراكاً من القيادة الرشيدة بأن التقدّم والإزدهار الاقتصادي يرتبط بقدرة المملكة على القضاء على الفساد واقتلاع جذوره من كافة مفاصله؛ للحفاظ على المال العام والمقدرات والمكتسبات. نزاهة وشفافية وأكد د. الرويلي على أنه في إطار الجهود المتتالية في المملكة لمكافحة الفساد؛ فقد صدرت مجموعة من القوانين والتعليمات التي تهدف إلى تحقيق أقصى درجات الشفافية والنزاهة في العمل، والمتمثِّلة في ضم الجهات الرقابية المختلفة بمكافحة الفساد المالي والإداري في جهاز واحد، بمسمَّى «هيئة الرقابة ومكافحة الفساد»، حيث تم ضم هيئة الرقابة والتحقيق، والمباحث الإدارية، وإنشاء وحدة تحقيق وادعاء جنائي، في جهاز واحد، ومنحها الصلاحيات والامتيازات اللازمة لمكافحة وملاحقة الفاسدين ومحاسبتهم، وإعادة الأموال المتأتية من الفساد للخزينة العامة، بما يكفل تعزيز مبدأ سيادة القانون، ومُساءلة كل مسؤول مهما كان موقعه، مشيراً إلى ضرورة مواصلة محاربة الفساد واقتلاع جذوره، وعلى كافة المستويات في المملكة، وأن تكون النزاهة والشفافية ثقافة وشعار عمل لكافة العاملين في القطاع العام والخاص في المجتمع السعودي، وهي قيم تعكس رفض الفساد والسعي لتحقيق المصلحة العامة، ولضمان الازدهار الاقتصادي والاجتماعي للمملكة، ووضعها ضمن الدول الأكثر تأثيراً في العالم في المجالين الاقتصادي والسياسي. قدرة وإرادة وتحدث المستشار القانوني المحامي زامل الركاض، قائلاً: «تحرص الكثير من دول العالم على محاربة جرائم الفساد لأنها تدمر التنمية الوطنية، حيث تنفق أموال الدول دون فائدة حقيقية مقابل منفعة بعض المستفيدين، وجريمة الفساد يرتبط وجودها في الطبيعة البشرية ببعض المسببات مثل وجود نوع من الخلل والفساد في عقيدة الإنسان وأفكاره وأخلاقه وفطرته وضعف التشريعات والعقوبات، ورغم قدم الصراع بين الخير والشر واختلافه باختلاف الأزمنة والمجتمعات، إلاّ أن بعض الشعوب لا تزال تظن أنه عندما يتحكم الفساد في بلد ما ويكون هو الأصل والنظام استثناء فإن محاربة الفساد تصبح نوعاً من المهمة المستحيلة، والمملكة نجحت -بفضل الله- ثم بوجود قيادة سياسية حكيمة تمتلك القدرة والارادة الجادة والرؤية الواضحة والعزيمة القوية لمحاربة الفساد الإداري والمالي وتعزيز الشفافية من خلال جهود الإصلاح التي طالت جميع مفاصل الدولة ضمن رؤية 2030، وهذه الجهود بدأت بالجانب الوقائي بالتوعية ورفع ثقافة النزاهة في المجتمع وتطوير اليات الرقابة ورصد مؤشرات الفساد، وتحديث الأنظمة والتشريعات وإغلاق الثغرات التي قد تكون سبباً في حدوث جرائم الفساد المالية والإدارية مثل تجريم الرشوة والاختلاس في القطاع العام والخاص وغير ذلك، وانتهاء بالجانب العلاجي الذي يتولى مهمة التحقيق ومعاقبة مرتكبي جريمة الفساد باعتباره فعل إجرامي وخيانة للأمانة. تعزيز وتحفيز وأوضح الركاض أن هذه الجهود المباركة أكسبت المملكة احترام دول العالم والمؤسسات والمؤشرات الدولية التي تُعنى بمكافحة الفساد على مستوى العالم، حيث حققت مركزاً متقدماً في دول مجموعة العشرين كنتيجة طبيعية لجهود محاربة الفساد وتعزيز الشفافية وتطوير التنظيمات القانونية التي تهدف إلى إيجاد قطاعات خالية من الفساد، دون التأثير -في الوقت نفسه- على زيادة وجودة الإنتاجية في كافة القطاعات الحكومية والاقتصادية والتنموية، إضافةً إلى ما تتمتع به المملكة العربية السعودية من استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي ووضع استثماري قوي وناجح يستقطب الكثير من الاستثمارات الأجنبية والشركات العالمية، ويعيش فيها ملايين الوافدين الذين يتمتعون بحق العمل والحياة الكريمة ويشاركون في تنمية بلدانهم بتحويلاتهم المالية، مبيناً أنه تساعد المملكة الدول النامية والمتضررة وتنصر المستضعفين وتستقبل اللاجئين داخلياً، وتدعمهم خارجياً، ولا شك أن ركائز رؤية المملكة العربية السعودية 2030 «مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطن طموح»، والمملكة رغم ما يمر به العالم من أزمات سياسية وفترات اقتصادية غير ملائمة، تخطت الأزمات الحالية والتحديات المستقبلية -بإذن الله- ثم بعزم قيادته الحكيمة ومواطنيه الأوفياء من خلال تعزيز وتحفيز وتنويع الإيرادات المالية غير النفطية بعيداً عن تقلبات أسواق الطاقة وتحقيق النمو الاقتصادي والاستدامة المالية كخيار استراتيجي للبقاء ضمن الأقوياء.