لكل بداية نهاية؛ ولكل أجل كتاب، وإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون؛ لا يوجد هناك قسوة أكثر من أن نسمع خبر وفاة من نحبهم، وبإيمان كامل ويقين صادق بأن الموت حق على كل إنسان بما يحمله من فاجعة ويترك ألماً لا يمحى، حيث تبقى المواقف الطيبة والذكريات الجميلة. رحل والد الجميع الشيخ عبدالمحسن بن سعد بن سعيد عن دنيا فانية إلى أخرى باقية لم يكن فقيد ذريته فحسب، بل بكاه الكثيرون، ولوفاته دمعت العين؛ وما يزال القلب يئن حزناً على فراقه. رحل ذو الأخلاق الحميدة والصفات الحسنة التي تميز بها وكانت نبراساً في سيرته العطرة، ومع ما يتصف به من الكرم والجود فلا تجد له كارهاً ولا مبغضاً فهو أعطى حتى عمّ عطاؤه داخل الأسرة وخارجها، فلا تجد فقيرًا إلا مدّ له يد العون، ولا تجد محتاجًا إلا وفي بيته بعض من ماله، ولا تجد أرملة أو يتيماً إلا وقد أجزل بعطائه عليه، ومما يتميز به خلال مسيرة حياته أنه كان يتفقد أحوال الناس ومن يبلغه أنهم من أهل العوز والحاجة فيسعى إلى جبر الخاطر، وتفريج ما أهمَّ المحتاج من أمور الدنيا، وكان يتحرى الإخلاص في أعمال البر والإحسان بعيداً عن الأضواء فهو يعلم أن الله سيعوضه خير على كرمه وإنفاقه ويرسل له من الخير ما لم يكن في حسبانه؛ وما هذا إلا لما يتمتع به من سمو النفس وسلامة الصدر وحسن الظن بالله ورجاء ما عنده، فللشدائد تُدَّخَرُ الرجال. من واقع خبرة مهنية في قطاع المال والأعمال أدركت بعض من صفات الشيخ عبدالمحسن، فوجدته شخصاً غير عادي، ولا أبالغ أن أقول هو شخصية استثنائية، واشتهر بالصدق والأمانة في تعاملاته المالية، وكان ذا رأي سديد وعنده بُعد نظر، فمن توفيق الله لمن يلجأ إليه في شدائد الأمور ألا يخيب إذا أخذ بمشورته؛ فكما يقال الكلمة الطيبة قد تفعل في الإنسان ما لا تفعَله الأدوية القويَّة، فهِي حياةٌ خَالدة لا تفْنى بِمَوت قائلِها. وقد نال ثقة المتعاملين معه وحاز سمعة طيبة ليس في قطاع المال والأعمال فحسب، بل في ميدان العمل الخيري بما يعود بالنفع على تنمية المجتمع؛ وتلك خصلة تُعد من النوادر. الشيخ عبدالمحسن بن سعيد رجل المواقف الإنسانية وموطن الوفاء، وبعطاياه التي أمتد خيرها للبعيد والقريب، لم يتأخر عن وقفات الإخوة والمروءة بجوانبها الحسية والمعنوية، فكان ذا أثر طيب في محيط أسرته ومجتمعه؛ وبوفاته لن يكون كالشمعة التي إذا ذابت انطفأ ضوئها، بل سيظل أثره باقياً في نفوس طيبة تذكره فتشكر له حسن صنعه، فترفع الأيادي لله وتلهج الألسن بقلب خاشع أن يغفر له ويرحمه ويسكنه فسيح جناته، آمين. د. ماجد بن عبدالله الهديان