يذكر هيرجرونجي أن الاستعداد لشهر رمضان في مكةالمكرمة يبدأ منذ منتصف شهر شعبان، وهناك نكتة تُقال للأطفال في العشرين من شعبان، وهي: أن الشيخ رمضان قد بدأ رحلته مع القافلة القادمة من المدينة، وسيكون في مكة بعد عشرة أيام، وفي كل يوم يقطع الشيخ رمضان مسافة، ويصل إلى مكان يُسمى للأطفال، وفي نهاية المطاف يبقى الأمر غير مؤكد، فيما إذا كان سيصل في يوم أو يومين، لأن بداية شهر الصوم تعتمد على رؤية الهلال، أو على اكتمال شعبان ثلاثين يومًا فيما لو لم ير الهلال. وقبل بداية رمضان يحاول بعض الأفراد تنظيف معدته تحضر من قبل الطبيب بموجب وصفة يختص بها، ويحتفظ بها سرية في العادة، مع أنه يُعطيها مجانًا. وتستعد المدافع لتُعلن بداية شهر الصوم، وتنشط الأسواق، ويتفنن الباعة في صناعة أطباق الحلوى الرمضانية، التي يقبل عليها الصائمون لتحضير وجبة السحور، لأول يوم من أيام رمضان حيث يبدأ الجوع والعطش. يصف هيرجرونجى المسحراتي في مكةالمكرمة بقوله: "بعد منتصف الليل بنصف ساعة، يعتلي المؤذنون منائر الحرم السبع، ليقوموا بالتذكير أو الاستغفار، المكون تارة من الشعر (المدائح النبوية) وأخرى من النثر المسجوع، ولمدة ساعتين". ويواصل حديثه بقوله: "بالإضافة إلى التذكير هناك التسحير، وهو الدعوة لتناول وجبة السحور قبل الإمساك عن الطعام، والتذكير في العادة يبدأ قبل ثلاث ساعات من الفجر، ويعتبر إيذانًا بالاستعداد للسحور". ثم ينهون ذلك بالآذان الأول للصلاة، وبعد نصف ساعة من هذا الآذان يلقون بنبرات رنانة بالإنذار الأخير، حتى لا تفاجئ خيوط الفجر الأولى الصائمين فيتوقفون عن الأكل ما في أفواههم من طعام أو شراب. حيث يقولون: "أيها النائمون، اصحوا، اذكروا الله الذي سخر الرياح، أن جيش الليل قد انسحب، وجيوش الصباح تشعشع، أسرعوا بالشراب، فقد حل موعد الصباح". وقبل ساعة من التوقف عن الأكل يسير المسحرون في الشوارع، وهم يقرعون طبولهم أمام البيوت، بطريقة تقليدية تساعد على إيقاظ الناس، يحثونهم على الاستيقاظ من النوم، ويزور هؤلاء المسحرون هذه البيوت يوم العيد، لينالوا من الهدايا والأعطيات، حيث يعطيهم البعض نقودًا، والبعض الآخر حبوبًا، وبعضهم يعطيهم صدقة الفطر أيضًا. وبعد نصف ساعة من السحور يمهد الترحيم لمدة عشر دقائق للأذان. ويؤدى هذا الترحيم طوال أيام السنة، وهو مثل التذكير، والتنبيه أو الأذان الأول للفجر، والترحيم تضرع إلى رحمة الله. (بدو العراق والجزيرة بعيون الرحالة / د. علي عفيفي علي غازي)