قداسة شهر رمضان في مكةالمكرمة لا تضاهيها قداسة في أي بقعة من بقاع الأرض، كيف لا وقد نزلت فيها آخر الرسالات على خاتم الأنبياء والرسل (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)، وفي ليلة السابع عشر منه من عام 610 نزل الوحي على سيد البشر محمد صلوات ربي وسلامه عليه، في غار حراء. وفي الحديث الشريف: روى ابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من أدرك شهر رمضان بمكة فصامه وقام منه ما تيسر، كتب الله له مائة ألف شهر رمضان في ما سواه، وكتب له بكل يوم عتق رقبة، وكل يومٍ حُملان فرس في سبيل الله، وفي كل يوم حسنة، وفي كل ليلة حسنة». وجاء في فضل الصوم بمكة أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما: «رمضان بمكة أفضل من ألف رمضان بغير مكة». في هذا الشهر الكريم يستشعر المرء بالأجواء الروحانية الرائعة، فهو شهر التقرب إلى الله بالعبادة والذكر والدعاء، وهو شهر التواصل والتراحم. فكيف ورمضان في أعظم بقعة من الأرض، في مكةالمكرمة التي شرفها الله ببيته الكريم، حين تآلف الزمان والمكان المقدّسان؟ لقد كان الحجيج في السابق يتقصدون أن يكونوا في شهر رمضان في هذه المدينة المباركة. يقول الرحّالة المقدسي في أثناء زيارته لمكةالمكرمة في شهر رمضان في القرن الرابع الهجري: «واعلم أن خمساً في خمسة مواضع من الإسلام حسنة، منها رمضان بمكة...». رصدت كتب الرحلات كيفية احتفالات المكيين بقدوم الشهر، منهم الرحّالة ابن جبير، إذ نجده وهو يعيش في مكةالمكرمة مع إطلالة ليلة الإثنين ثاني رمضان سنة 579ه، يتحدث عن الحركة المميزة التي شاهدها في المسجد الحرام، من تجديد الحصر، وتكثير المشاعل، وتوزيع الأئمة لإقامة التراويح، ما بين الشافعية والحنبلية والحنفية والمالكية والزيدية، الذين توزعوا على ثلاثة قراء يتناوبون، لقد كان المالكية أحفل جمعاً وأكثر شمعاً بهذه المناسبة، لأن قوماً من التجار المالكيين تنافسوا في ذلك فجلبوا لإمام الكعبة شمعاً كثيراً، من أكبره شمعتان نصبتا أمام المحراب فيهما قنطار. وذكر أن الشموع والقناديل تُضاء، وتُدق الدبادب إيذاناً بدخول الشهر، وتُضرب الفرقعات عند الفراغ من أذانَيْ صلاتي المغرب والعشاء، وتضرب الفرقعات للسحور، وتوضع على المآذن قناديل تطفأ إذا حان وقت الإمساك. ويجتمع الناس لأداء التراويح في جماعات مختلفة، وفق المذاهب الفقهية، كل جماعة خلف المقام المهيأ لها. ويقول ابن جبير: والمؤذن الزمزمي يتولى التسحير في الصومعة التي في الركن الشرقي من المسجد، بسبب قربها من دار الأمير، فيقوم في وقت السحور فيها داعياً ومذكّراً ومحرّضاً على السحور، ومعه أخوان صغيران يجاوبانه ويقاولانه، وقد نُصبت في أعلى الصومعة خشبة طويلة في رأسها عود كالذراع، وفي طرفيه بكرتان صغيرتان يُرفع عليهما قنديلان من الزجاج كبيران لا يزالان يَقِدان مدة التسحير. فإذا قرب تبيين خيطي الفجر، ووقع الإيذان بالقطع مرة بعد مرة، حط المؤذن المذكور القنديلين من أعلى الخشبة، وبدأ بالأذان، وثوّب المؤذنون من كل ناحية بالأذان. كما وصف ابن جبير ختم القرآن في رمضان، فقال: «إن كل إمام من أئمة المذاهب الأربعة كان يصلي بجماعته في المسجد الحرام، ويقرأ في كل ليلة جزءاً من القرآن، وأول من يختم القرآن من الأئمة الإمام الشافعي، وذلك في ليلة سبع وعشرين، وتتم إقامة حفلة لذلك، وتبدأ الاستعدادات لإقامة تلك الحفلة قبل يومين، بحيث تنتشر المشاعل والشموع في أرجاء الحرم. وفي تلك الليلة يتقدم الإمام الشافعي المذهب، فيصلي العشاء الآخرة ثم يصلي التراويح، ويبتدئ بقراءة سورة «القدر»، وإليها كان انتهاء قراءة الأئمة الأربعة في الليلة التي قبلها، وفي تلك الساعة كان جميع الأئمة يتوقفون عن الصلاة، تعظيماً لختمة المقام، ويحضرونها متبركين، فيختم الإمام الشافعي في تسليمتين، ثم يقوم خطيباً مستقبلاً المقام والكعبة المشرفة، فإذا فرغ من ذلك عاد بقية الأئمة إلى صلاتهم وانفض الجمع. أما ختم بقية الأئمة فيكون عادة ليلة 29 من رمضان، ويلقي كل منهم بعد الختم خطبة، ويكون أول المختتمين في هذه الليلة الإمام المالكي، ثم يقام احتفال أقل من احتفال الشافعية، ثم يتلوه بقية الأئمة». الرحالة ابن بطوطة «703 - 779ه» تحدث عن مكةالمكرمة كمّاً وكيفاً، شكلاً ومضموناً، فقد ظلت مكةالمكرمة شاخصة في مذكراته عند كل منعرج من تحركاته حتى أرج الحجاز. ويكفي أن له أربع رحلات إلى البلاد المقدسة، وسبع حجات، وأنه صام فيها ثلاثة رمضانات، وهذا ما لم يتيسر لغيره. فصّل ابن بطوطة عن عادات أهل مكة في رمضان الشيء الكثير، فقال: «إن الاحتفالات تبتدئ في المسجد الحرام، من تجديد الحصر، وتكثير الشمع والمشاعل حتى يتلألأ الحرم نوراً، ويسطع بهجة وإشراقاً. وتتوزع الأئمة فرقاً، وهم: الشافعية والحنفية والحنبلية والزيدية. وأما المالكية، فيجتمعون على أربعة من القراء. ولا تبقى ناحية من الحرم إلا وفيها قارئ يصلي بجماعته؛ وترق النفوس، وتحضر القلوب، وتهمل الأعين، والشافعية أكثر الأئمة اجتهاداً. وإذا كان وقت السحور، يتولى المؤذنون التَّسحير في الصوامع، أي مؤانسة الذين يتناولون سحورهم وتنبيههم لوقت السحر، وقد نصبت القناديل في أعلى المنارات ليكون إطفاؤها دليلاً على انتهاء وقت السحور. وفي كل ليلةٍ وِتْرٍ من ليالي العشر الأواخر يختمون القرآن على يد أحد أبناء الأكابر من أهل مكة. وأعظم تلك الليالي عندهم ليلة السابع والعشرين، واحتفالهم فيها أعظم من احتفالهم بسائر الليالي. وتقام إزاء حطيم الشافعية خشب عظام توصل بالحطيم القائم في الحرم. ويتقدم الإمام فيصلي فريضة العشاء الأخير، ثم يبتدئ بسورة القدر التي يكون إليها انتهاء قراءة الأئمة في الليلة التي قبلها، وفي تلك الساعة يمسك جميع الأئمة عن التراويح تعظيماً لختمة المقام، مقام إبراهيم، فيختم الإمام في تسليمتين، ثم يقوم خطيباً، فإذا فرغ من ذلك عاد الأئمة إلى صلاتهم. ثم يكون الختم ليلة تسع وعشرين في المحراب المالكي الذي نصبت الأعواد بإزائه على شكل دائرة محراب». من الرحلات المتأخرة إلى مكةالمكرمة، التي وصفت شهر رمضان في مكة، رحلة جون لويس بيركهارت John lewis Burckhardt خلال عامي 1230 و1231ه، فقد ذكر في رحلته أنه وصل إلى مكةالمكرمة في 24 من رمضان 1229ه، وذكر أن مصابيح المسجد الحرام كانت تتدلى من القناطر على طول صف الأعمدة كله، وعلى الجوانب الأربعة، فَيُضاءُ بعضها كل ليلة، أما في ليالي شهر رمضان فكانت كل المصابيح تضاء. كما ذكر أن المسجد الحرام كان يبقى مفتوحاً ليلاً ونهاراً في شهر رمضان. ومن أمتع ما دوّنه الرّحالون عن تقاليد المكيين وأحوالهم في رمضان ذلك السِّفْر الجليل الذي وضعه المستشرق الهولندي سنوك هرخونيه، وفيه تسجيل وافٍ للحياة في مكةالمكرمة في رمضان منتهى القرن 13 الهجري. يقول سنوك: في انتظار الشيخ رمضان. وكان أطفال المكيين -كما يصف سنوك- يتصوّرون رمضان شيخاً يبدأ رحلته إليهم من المدينةالمنورة في النصف الثاني من شعبان، ويزداد ترقّبهم لقدومه يوماً بعد يوم، إلى أن يبقى من شعبان يوم أو يومان، نزولاً على رؤية الهلال أو تمام شعبان 30 يوماً، ثم لا يلبث الشيخ رمضان أن ينزل في ساحة المكيين فيستقبلونه بالأناشيد والأهازيج، وقد أعدّوا لقدومه العدّة، وما إن تثبت رؤية هلاله حتى تختلف حياة الناس في البلد الحرام، فالمدافع تُدَوّي في كل ناحية، والعيارات النارية يسمعها كل أحد إعلاناً لدخول الشهر العظيم، وتخف الأسر المكية إلى الأسواق لابتياع مؤونة الشهر من الطعام والشراب والحلوى، ويتفنّن الباعة في عرض ما لديهم من تلك الأصناف، ويحلو للمرء أن يصيخ سمعه إلى كلمات الباعة وأهازيجهم، وهم يزيّنون للناس ما يعرضونه من لذيذ الطعام والشراب. وفي ناحية أخرى من مكةالمكرمة، يأنس المارة بإيقاع طاسات ماء زمزم، وقد شرع الزمازمة في تنظيف دوارق الماء وتلميعها، ويخرج معلّمو الزمازمة وصبيانهم من الخلاوي، ويقومون بفرش السجاجيد والحصر في الأماكن المخصصة لزبائنهم، فوق الحصى في صحن المسجد أو بين أروقة الحرم، وقبل مدّ السجاجيد، يضعون دوارق الماء البارد، بمعدّل دورق لكل خمسة أشخاص. وقبل أن يجلس الأشخاص البارزون في أماكنهم المخصصة لهم، توضع بعض الدوارق الخاصة المليئة بالماء المحلّى أو ماء المطر أو ماء العيون، وذلك وفق ذوق الجالس ورغبته. ويسهب هرخونيه في وصف التقاليد الرمضانية في مكةالمكرمة، خصوصاً ترقّب المصلين في أروقة الحرم وساحاته، أن يرفع الرّيس أذان المغرب معلناً انتهاء يوم من الصوم، في تقليد مكّي مهيب يصفه بهذه الكلمات: إن جميع القادمين إلى المسجد قد أخذوا أماكنهم بانتظار لحظة الإفطار، وذلك حين يصعد الرّيس إلى الطابق العلوي الذي يحيط ببئر زمزم ويلوّح بعلم إلى القلعة، التي ينتظر فيها بعض الجنود لإطلاق المدافع إيذاناً بالإفطار. ويسمع المرء الآن من كل أرجاء المسجد دعاءً خاصاً، كما يسمع أصوات شرب الماء من الدوارق الخاصة، وكذلك قرقعة صحون الطعام وما إليها. وفي هذه الأثناء، يرتفع الأذان من على المنارات السبع الموجودة في المسجد، يؤدي بعدها الناس صلاة المغرب. وبعد أداء صلاة العشاء وسنة التراويح، ينتشر المكيون في أنحاء بلدتهم المقدسة، ويبدأ البرنامج الرمضاني بالتسوّق أو زيارة الأهل والأصدقاء، ويحلو لزمر منهم عقد «البشكات»، يقطعون بها أوقاتهم بطيب الأحاديث وألوان السمر، وتتناهى إليك أصوات باعة المأكولات الرمضانية الشهية كالبليلة والكبدة، والمقليات، وتعلو جلبة الصبية وقد تجمّعوا، هنا وهناك، يلهون ويلعبون ويعبثون، ويطيب لكل امرئ منهم أن يؤدي العمرة. أما طلبة العلم، فلا أعظم ولا أجمل من أن يلتفّوا حول أحد أشياخهم في رواق من أروقة البيت الحرام يتتلمذون له في القرآن الكريم، أو الحديث الشريف، أو النحو أو البلاغة، ثم لا يلبثون أن يعودوا إلى بيوتهم ويخلدوا للنوم حتى يحين السحور. يتحدث المكيّون كبار السن عن أن لرمضان في مكة المرمة عشقاً في القلوب لا يضاهيه عشق، فيقولون: فعند الغروب ترى الناس رجالاً ونسوة وأولاداً يخرجون بأصناف الأطعمة المختلفة من بيوت الحارة الواحدة، ليهدوها إلى إخوانهم في بيوت الحارة المجاورة، وإلى بيوت الفقراء والرباطات المجاورة. والعُمَد يخرج كل منهم إلى مركز الحارة لعقد جلسات للنظر في شؤون الحارة وتفقد أحوال أهلها والتماس حاجاتهم، خصوصاً الفقراء والأيتام والأرامل، وكان مجلسهم ذلك يمتد إلى منتصف الليل، فكان العمدة المكيّ يبعث من يسأل عن العوائل التي سافر عائلها لعمل، ليوصل إليهم ما يحتاجون إليه من حاجات ويضعها عند باب المنازل ويناديهم: يا أهل البيت العمدة، أرسلني لكم والزنبيل عند الباب. اعتاد المكيّون على وجود مدفع رمضان الذي يكون إلى جانب الأذان، مؤذناً بالإفطار تارة، وبالإمساك وقت السحور تارة أخرى، وكان في مكةالمكرمة مدافع عدة في مواقع مختلفة في عدد من الأحياء، وأما الآن فلا يوجد إلا مدفع واحد. يقول أحد المكيين: رمضان في السابق كان له طعم وروحانية، إذ كنا نتحرى هلاله عبر أسطح العمائر والجبال المرتفعة، ويؤكد دخوله المدفع الذي يطلق عشر طلقات من جبل المدافع، وهنا نبدأ بالتهاني بعضنا لبعض. والأهالي كانوا من فورهم يبدأون فى تجهيز الفوانيس ووضعها على أعمدة الإنارة في الحارة. وكنا نعبئ الجوالين بالكاز، ونزيّن الحارة بالتيازير التي تحمل اللون الأحمر وبها الهلال. وتقوم العوائل بفرد سفر أمام المنازل يوضع عليها الأكل والشرب لإفطار الصائم. كنا نصوم في أجواء حارة، ونقوم بتبليل الخيش بالماء البارد والثلج حتى نتغطى بها ونقوم برش المياه أمام ساحة المنزل لتلطيف أجواء الحارة. فيما قال آخر: كان السقا يحضر المياه من الآبار ويصبها في المشارب، وكان طعمها أحلى من ماء التحلية، وسعر (الزفة) كان قرشاً واحداً، وفي كل حي من أحياء مكة مجموعة من البراميل تُملأ بالزمزم كل يوم، ويقوم أهل الحي بالتعاون بملئها، ثم يأخذ كل بيت ما يكفيه من الماء طيلة يومه ذاك. ويردف: كانت البيوت في مكة متقاربة وملتصقة والأزقة ضيقة، وكان الهواء بارداً نسبياً، وفي النهار كنا نرش الماء على الأرض كي تعطى طراوة، وفي الليل على السطوح، وكل بيت له سطح فيه سرر خشبية تسمى كرويتات. يتحسر معظم المكيين على العادات التي اندثرت، يقول أحدهم: «أشياء كثيرة اندثرت، مثل: تبادل الأطباق الرمضانية بين الجيران، هذا الجار يرسل سمبوسة، وهذا يردّ له كنافة، وهذا يرسل قطايف، وهذا يردّ له غربالية، الذي لم يطبخ هذا اليوم يرد سكراً في الصحن فما يرده فارغاً كانت النفوس طيبة، والسحور كان عادة في البيت وفي السطوح، إذ تجتمع العائلة على ما قسم الله من طعام وشراب، أما الأكلات المحببة في رمضان فكانت: السمبوسة، الكنافة، الغربالية، الشوربة، الجبنية، العيش باللحم، المهلبية، الساقودانة، الألماسية، شراب قمر الدين وشراب اللوز والليمون»، ويستطرد فيقول: «وكان في البيت زير المويه للشرب يعتنون به ويبخرونه ويغطونه بالشاش». ويقول بعضهم: إن من العادات المكية في رمضان أكل البليلة، إما بعد صلاة المغرب أو بعد صلاة التراويح، وتأكل في أثناء جلسات السمر والاجتماعات، كما أن من عادات أهل مكة القيام بعملية تبخير ماء زمزم يومياً بالمستكة ليكتسب رائحة جميلة، وطعماً لذيذاً. أما الألعاب المكية في شهر رمضان فقد كانت مميزة، منها: الكبت، البربر، البرجون، الكبوش، العجلة، الحرامي والعسا، الزغرغية، المدوان والمكر، وقد اندثرت جميعها الآن، وكان من العادات خروج شباب الحارة ومن يسمي بالمطاليق لتعد جلسات وحلقات المزمار في كل حارة وقد تدعو أي حارة حارة أخرى للعب معهم، وللعبة المزمار أصولها وقوانينها، وإذا حصل خلل قد يؤدي إلى «مقاشعة» وخصام فلا بد من دخول العقلاء لإيقاف خصام الشباب. يقول حسن قزاز في كتابه «أهل الحجاز بعبقهم التاريخي»: «من أشهر ما يميز رمضان في مكةالمكرمة أيام زمان المسحراتي، تلك الشخصية التي تتسم بالبساطة وحب الناس له، وبعد توسع الأحياء فيها اضطر عدد من المسحراتية الى استخدام الدف، ليضرب عليه بعيدان صغيرة، فيكون صوته قوياً بين الأزقة وفي الحارات، وكان يضربها ثلاث ضربات لطاف بوقع خاص، ويقف تحت كل منزل وينادي أصحاب الدار بأسمائهم الكبير والصغير؛ لأن المسحراتي يكون عادة من سكان الحارة التى ينادي فيها». ذكر بعض المصادر أن من أقوال المسحراتي: «يا نايمين اصحوا، اذكروا الله اللي سخر الرياح، جيش الليل انسحب وجيوش الصباح تشعشع، اسرعوا بالشراب جا موعد الصباح». «اصحى يا نايم.. وحِّد الدايم... سحورك لا يفوتك»، بل إن بعضاً كان يدخل بعض الكلمات المنمقة والساخرة، يرددها أمام كل بيت يعرف صاحبه مثل «سحورك قبل لا يفل نورك.. وشيل العتله ازبط المرقة». «أبرك الليالي والأيام عليك سيدي فلان». ويجد الأطفال في صوت المسحِّر واختلافه إلى حارتهم ألواناً من الفرح والسرور، وفي الليالي الأخيرة من رمضان يزور هؤلاء المسحّرون بيوت المكيين، إذ ينفحونه بما يجود به القادرون من مال أو كساء. كان أهل مكةالمكرمة يصنفون أيام شهر رمضان المبارك على النحو التالي: العشرة الأولى للجزارين، والعشرة الثانية للقماشين، والعشرة الثالثة للخياطين. * باحث في الشؤون الإسلامية