اتفق الكوفيون والبصريون على أن حروف الجر جميعها تتناوب، أي يحل بعضها مكان بعضها الآخر، وقال الكوفيين أيضاً إن التناوب هو ميزة في حروف الجر وحلول أحدها مكان الآخر ولا يشترط به إضافة دلالة جديدة على الكلام بينما، يرى جميع البصريين أن التناوب يلزمه زيادة في الدلالة وهو قول سيبويه تحديداً وهو الصواب. وكان من المفترض أن يقول ربنا: ونصرناه على، لا أن يقول: نصرناه من، فما الذي أضافه هذا التناوب على المعنى؟ الآية تتحدث عن نوح عليه السلام، والمعلوم أن هلاك قوم نوح كان غرقاً بعد أن أمره الله بصنع السفينة وأن يحمل عليها من كل زوجين اثنين، وكلمة النصر تقتضي أن يكون هناك مواجهة بينهم وهذا ما لم يحدث. إذاً نصرناه هنا أي بمعنى: أنجيناه، والمواجهة إنما كانت بين قومه والماء وخرج وهو ناجياً معافى، وإذا كان جند الله «الماء» فقد كسب المواجهة فإن الماء استجابة لدعاء نوح. اختلف الكوفيون والبصريون في باب التنازع، ورأى البصريون أن إعمال ثاني العاملين أولى من إعمال الأول ومعهم حجج وبراهين. ورأى الكوفيون أن إعمال الأول أولى من إعمال الثاني وكذلك معهم حجة أيضاً، ويقصد بالبصريين المنسوبون إلى مدينة البصرة، والبَصْرِيُّون نُحاة البَصْرة. فنوح إذاً شريك انتصر بالنتيجة، ولكنة بالفعل نجا. فغيّر الله الخطاب وبدل الفعل أنجى بالفعل نصر وبدل حرف الجر بآخر، تاركاً لنا أن نكتشف سحر الدلالة في النص القرآني. (كتاب رسائل من القرآن)