يروى أن الإمام الشعبي الذي عاش قبل أكثر من 13 قرناً في عصر الدولة الأموية سئل: "هل تمرض الروح؟"، فأجاب: "نعم، من ظل الثقلاء!"، وبعد فترة من الزمن مر به عدد من أصحابه وهو جالس بين شخصين ثقيلين، فسألوه مداعبين: "كيف الروح؟"، فأجابهم: "في النزع!!". وبطبيعة الحال فلا علاقة للثقلاء هنا بالأوزان وأحجام الأجسام بل هم أولئك الثقلاء على القلوب بكلامهم وأفعالهم وطبيعة سلوكهم وتعاملهم. قبل سنوات طويلة عاصرت أحد المديرين الثقلاء، ورغم ابتسامته المصطنعة وتقمصه دور الشخص اللطيف إلا أنك كنت تشعر أن الهواء يصبح ثقيلاً بمجرد أن يدخل غرفة الاجتماعات، وكأنما طاقة سلبية تمتص السعادة في داخلك وتنهش ما تبقى من أمل وإيجابية فيك.. باختصار كان الإحساس بأن الروح يتم تعذيبها بأشنع الأساليب بسبب ذلك المدير وأساليبه المريضة. في الواقع، وطالما الحديث عن الثقلاء والمديرين المرضى، يطرح الكاتب والخبير النفسي كيفين داتون في كتابه "حكمة السيكوباتيين: دروس في الحياة من القديسين والجواسيس والسفاحين" والمنشور عام 2021م، قائمة بأكثر وظائف يوجد فيها شخصيات سيكوباتية ولكنها تحقق نجاحات، وفي رأس القائمة جاءت مهنة "المدير التنفيذي!"، تليها بالترتيب المحامي، والإعلامي في التلفاز والراديو، ومسؤول مبيعات، والطبيب الجراح فالصحفي. وتؤكد دراسة منشورة عام 2016م من جامعة بوند في أستراليا شملت 261 مديراً تنفيذياً أن واحداً من كل خمسة مديرين تنفيذين ظهرت لديه علامات سريرية واضحة لا تقبل الشك تدل على شخصية سيكوباتية. وهنا قد يتساءل البعض: "ما الأعراض والعلامات التي نعرف بها المدير السيكوباتي؟"، هنالك عدد من الأعراض ولكن أهمها كما يلي: النرجسية المفرطة: لديه إعجاب زائد بنفسه، ويعتقد أنه محور الكون، وأن قدراته لا حدود لها، وأن إنجازاته هائلة، وعلى الكل أن يمجد فيه ويمتدح أفعاله. الغباء العاطفي: لا يمكن أن تنتظر من هذه النوعية من المديرين المرضى أي تفهم للظروف الصحية أو العائلية القاهرة، ولا يوجد في قاموسه كلمة تفهم أو تعاطف في أي شيء فكلها أعذار واهية غير مقبولة بتاتاً. الطبيعة الصدامية: لا يتورع عن افتعال الشجارات وخلق الحروب والنزاعات مع الزملاء والموظفين، ولديه مهارة استثنائية في تكدير الموظفين وتعكير مزاجهم في أي وقت، ولديه ميل لتوجيه الإساءات والتعدي اللفظي على مرؤوسيه. احتراف الكذب: لا يوجد لديه أي مانع أو رادع عن ممارسة التضليل والكذب واختلاق قصص وهمية في سبيل الإطاحة بالخصوم وإيجاد مخرج من أي ورطة، وفي الوقت نفسه فأسهل ما عليه هو إعطاؤك كلاماً معسولًا ووعوداً ونسيانها وعدم الالتزام بها بل وإنكارها في بعض الأحيان. لا يندم ولا يعترف بالخطأ: لا تتوقع منه ندماً على إساءة بحق الآخرين، ولا يسمح لأي شخص أن ينتقده أو يقلل من شأنه فهو دائماً وأبداً على حق والآخرون ليس لهم إلا أن ينصاعوا لأوامره وآرائه دون تفكير أو نقاش. وللمعلومية، فهذه النوعية من المديرين السيكوباتيين ليسوا فاشلين بل في أغلب الأحيان يحققون نجاحات كبيرة على المدى القصير في الأرقام والمستهدفات لكن طباعهم وسلوكياتهم القيادية والإدارية تجعلهم شخصيات لا يمكن تحملها مع ما تسببه من تسميم لبيئة العمل وهجرة للكفاءات وانهيار للمنظمات التي يعملون بها على المدى الطويل. وباختصار، المدير السيكوباتي الذي يعذب الأرواح ليس قنبلة موقوتة، بل حقل ألغام وقابل للانفجار وخطر كبير جداً على أي منظمة، ولا شك أن علاج هذه السلوكيات لديه حل مثالي، ولكن إن لم ينجح ذلك فلا بد من التخلص فوراً من هذه النوعية من المديرين المرضى لحماية بيئة العمل وبقية الموظفين. فمهما كان ذلك القرار مؤلماً وموجعاً في البداية فهو كإجراء عملية جراحية لاستئصال ورم سرطاني خبيث لحماية الجسد وبقية الأعضاء من الموت البطيء!