يلفت الباحث فاروق خورشيد انتباهنا لمدى تأثير الأحلام على جوانب مختلفة من حياتنا وعلى اللغة اليومية التي نتحدّث بها، ويذكر أننا نستعمل تعبير «حلم الإنسان» للتعبير عن الطموح، كما نستعمل «لفظ الأحلام بمعنى الأماني»، وكذلك نستعمل عبارة «أضغاث أحلام بمعنى الطموحات الفاشلة، أو الأماني الكاذبة». وما ذكره صحيح بحكم أن الأحلام والرؤى تفرض سلطتها على البشر، يومياً، بنفس القوة التي يفرضها عليهم سلطان النوم؛ لذلك من الطبيعي أن تترك تأثيرها علينا وأن تحتل مكانة ومكاناً واسعاً في مأثوراتنا الشعبية. إذ يجد الناظر في المدونات الشعبية نصوصاً غزيرة ومتنوعة تتصل بموضوع الأحلام اتصالاً مباشراً، كما يمكن أن يلاحظ حضورها الواضح في مدونات أخرى، منها على سبيل المثال ما أورده المؤرخ خالد الخويطر في كتابه (كون المليدا) من نماذج لمنامات أهل القصيم قبل معركة المليدا، وكتب أنه وثّق تلك الأحلام «لأنها تعكس أحاسيس الناس وهمومهم». وفي الأمثال الشعبية تقابلنا أمثال في الأحلام مثل: «حلوم أهل نجد من حَسَاس قلوبها»، أو «حلم جمعة»، أو «حلمت وقرّت عينك»، وفي النوادر الشعبية أيضاً نتذكّر نادرة «حلاّم عنزة» التي أوردها الشيخ محمد العبودي في شرح أمثاله، واستشهد بها الأديب غازي القصيبي على الحيل الدبلوماسية، وملخصها أن رجلاً يدّعي أنه يحلم أحلاماً لا بد أن تصدُق، ولإقناع من حوله كان يصوغ أحلامه صياغة مطاطة مثل: «الله ياشي بيجيكم شي عظيم!»، فإذا أمطرت السماء زعم أنه هو الشيء الذي حلم به، وإذا وقع وباء زعم أيضاً أنه ذلك الشيء العظيم! أما في الحكايات فكثيراً ما يوظف الراوي الشعبي الحلم كعنصر سردي مساعد، بمعنى أنه يكون المحرك الذي يدفع عجلة السرد إلى الأمام، ويرى الروائي الأستاذ عبده خال في أساطيره أن الحكايات الشعبية غالباً ما تأتي بالحلم «كوسيلة لمعرفة المستقبل»، وقد أورد العديد من الحكايات التي تؤيد ما ذهب إليه، كما دوّن حكايات تتمحور حول الأحلام وتفسيرها، من بينها حكاية (الملافظ سعد)، وهي حكاية جميلة عن ملك رأى أن جميع أسنانه تساقطت، فاستدعى اثنين من خيرة الحكماء وطلب منهما تفسير حلمه، ففسره الأول قائلاً: «جميع أهل بيتك سيموتون وتنجو أنت»، فغضب منه وأمر بجلده، أما الثاني فقال: «سوف تكون أطول أهل بيتك عمراً»، فنال استحسان الملك وحظوته رغم اتفاق مضمون تفسيره مع الأول. ومن بين حكاياتنا الشعبية في موضوع الرؤى والأحلام تتميز حكاية اسمها (علوم وحلوم وخثارد)، دوّنها الأستاذ مفرج بن فراج السيد في كتاب (قصص وأساطير شعبية)، بأنها لا توظف الحلم عنصراً لتصعيد الأحداث كما تفعل أغلب الحكايات، بل تُعالج، سردياً، موضوع الخلل في الإيمان المطلق بمضمون الأحلام، فهي تحكي عن امرأة لها ولدان متزوجان ولكل منهما أطفال، وقد رأت في نومها أن الأكبر جاء بخروفٍ أبيض أقرن ثم ربطه وخاطب أمه بالقول: «سآتي بمن يذبحه ويطبخه، وسنتغدى أنا وأخي وزوجتانا وأطفالنا عندك على هذا الخروف، ثم تخاصم مع أخيه فقتل أحدهما الآخر». إذن فهذا الحلم ينقسم إلى شقين أو مشهدين: مشهدٌ يُبشِّر باجتماع العائلة وتآلفها، ومشهدٌ يُنذر بالتفرّق والعداوة والبغضاء، ولكن الحلم في حد ذاته لم يكن المصدر الوحيد لانزعاج الأم، فما زاد من انزعاجها وقلقها أنها استيقظت صباحاً لتجد ابنها الأكبر قد دخل عليها ومعه خروف يشبه الذي رأته في الحلم، ورأته يربطه في نفس المكان ويقول نفس الكلام ثم يخرج لإحضار من يُعدُّ لهم وجبة الغداء. وقد صوّر الراوي مشاعر القلق والفزع التي انتابت الأم خشية تحقّق الجزء الثاني من حلمها بعد انصراف ابنها الأكبر، إذ خرجت مباشرة لمكان قصي وأخذت تخط على التراب متخيّلة حدوث ما تخشاه، وفي أثناء ذلك جاءتها امرأة غريبة تحدّثت معها وألحّت لمعرفة سبب قلقها، وعندما صارحتها الأم الحالمة نادت الغريبة ابنتها الأولى: «يا علوم يا علوم، قالت البنت: عونك يا يمه، قالت: هل زرت خالتك فلانة في ليلة البارحة، قالت: لا، قالت: هذه بنتي علوم فلو زارتك كان الحلم حقيقة». ثم نادت المرأة ابنتها الثانية «حلوم» التي نفت هي الأخرى زيارتها للأم الحالمة، فقالت المرأة: «هذه بنتي حلوم فلو زارتك كان الحلم يحتمل الصدق والكذب». ثم نادت ابنتها الثالثة: «خثارد»، واستفسرت منها عن زيارتها لأم الأولاد، وقد أجابت على استفسار أمها: «نعم يا يمه طول الليل وأنا أخثرد عليها»، وحينها طمأنتها أم البنات قائلة: «اذهبي إلى البيت فما أمامك إلا السلامة»، وعندما رجعت أم الأولاد لبيتها وجدت ابنيها بصحبة الزوجات والأطفال ينتظرونها على الغداء، «فغرفوه في المواعين وأكلوا بهناء وصحة وعافية». وكما هو واضح فالبنت الأولى «علوم» ترمز للرؤيا الصادقة، أما الثانية «حلوم» فربما ترمز لما يسمى «حديث الشيطان»، أما الثالثة «خثارد» فهي أضغاث الأحلام، ومعنى خثارد أو «خثارق» في العامية الكلام غير الصحيح أو الذي لا معنى له. وقد ذكر السيد أن أمّه هي من روت له هذه الحكاية، ويبدو أنها من الحكايات الرمزية البسيطة الموجهة لجنس النساء على وجه التحديد، فالصوت الأقوى فيها يصدر عن امرأتين: صاحبة الحلم: أم الأولاد، ومفسرته: أم البنات «علوم وحلوم وخثارد»، وربما نخطئ حين نصف المرأة الثانية بأنها مفسرة للحلم، فهي لا تفك ألغازه بقدر ما تُنبّه لوجود أقسام مختلفة من الأحلام جسّدتها في شخصيات بناتها الثلاث. ختاماً أقول إن اختيار الشخصيات النسائية في «علوم وحلوم وخثارد» يُعد ذكاءً من راوية الحكاية، لا سيما أن النساء يمنحن الأحلام عناية مفرطة تفوق عناية الرجال، وهي عناية تكاد تقترب في درجتها من عنايتهن بأبنائهن أو بأناقتهن. مفرج السيد عبده خال محمد العبودي غازي القصيبي خالد الخويطر بداح السبيعي