أجمل ما يستدعيه الإنسان من ذاكرة التاريخ هو ذلك اليوم العظيم التي تتجلى فيه صور متعددة؛ تلك الصور التي تلهمنا بالأصالة والقيم والفخر والاعتزاز، وتعزز من قوّتنا ومكانتنا بين الأمم، كنمط للوجود الخالد الذي امتاز برؤى تلك الشخصيات التي قادت عمليات التغيير الاجتماعي، وأدت إلى حالة من التلاحم والتآلف، وامتدت نحو تغيّر فكري شامل لكل مناحي الحياة، ذلك اليوم الذي شكل قطبيه الإمامان والتفت الأصوات لجموع من سكان الجزيرة العربية بين مؤيد مستبشر وبين مبارك متفائل لغد مشرق بزغ نوره من جنبات بيوتات الطين في الدرعية، ومن خلال يوم التأسيس الذي نحفل به هذه الأيام يتأكد لنا الحضور بشكل فاعل في ساحة العطاء لنلهم هذا العالم بهذا الشعار الكبير (يوم بدينا) الذي امتزجت فيه الأرواح وارتفعت الراية منسرحة نحو السماء واختلطت فيه قدسية الوطن بعظيم المبدأ وسمو الغاية ونبل الأهداف، واليوم آن لنا أن نردد قول الشاعر حسن بن محمد الزهراني من ديوانه (قُبلة في جبين القِبلة): عاشت بلادي بحمد الله في رغدٍ لأن دستورها الوضاح قرانُ لأن رايتها الخضراء حاملةٌ توحيدنا وفؤاد السيف يقظان إن فكرة يوم التأسيس لم تكن فكرة اعتباطية أو هامشية، بل كانت فكرة مدروسة بهوامش واسعة لتتسع كل الأبعاد الثقافية والوطنية والاقتصادية، واتسعت لتحتضن هذا الكيان الكبير، ويأتي هذا الشعار بهويته البصرية ليكشف للعالم عن حقيقة معرفية محفوفة بذائقة الإنسان وبحالة من الإحساس والجمال ليمتد ضوءٌ مشعٌ نحو العالمية، ويؤكد من جديد أن الإنسان السعودي استطاع أن يغيّر ويطوّر، وأن يقف بوعي على كل المعاني والمفاهيم النبيلة الفاضلة، وأن يمد الجسور ويتعامل ويتعايش مع الإنسانية ويهتم بكل شؤونها من منطلق آثر الرجع العظيم لوحي السماء واليوم جدير بالإنسان السعودي أن يستحضر ذلك اليوم على أن نعيش واقعه في كل أيامنا من خلال أبعاده الثقافية والتاريخية، ليس لأنه محطة للانطلاق فقط، بل لأنه يلهمنا الكرامة والعزة، وكذا المتواليات الثقافية الممتدة على ثراء كل هذا الوطن الجدير بالذكر حين بدأ الأسلاف شع النور من جديد مع أول خطاهم من حي الطريف بالدرعية، وتشكلت مرحلة جديدة كتبت للجزيرة العربية تستحق أن يقال عنها حضارة جديدة، لأن الحضارة هي ثمرة جهد الإنسان وعطائه، وكان لزاماً علينا أن نستدعى كل المشاهد وأن ننصت إلى صوت صهيل جيادهم التي ركضت في مضمار الوطن وصكت بحوافرها ليتطاير قدح ونقع لتكون اليوم من الشواهد الحية على جهد الإنسان السعودي وعظيم دوره، وعلى المسيرة نفسها سوف تسير الأجيال المقبلة ليكون هذا الكيان العظيم في ظل قيادته الرشيدة وجهة للعالم في الألفية الثالثة، فالرؤية الوطنية تؤكد على أهمية استدعاء كل قيمنا ومبادئنا لنكون جزءاً فاعلاً ومؤثراً في هذا العالم بعاداتنا وثقافاتنا التي تتشكل يوماً بعد آخر من خلال الاحتفالات والفعاليات والفنون والأزياء والممارسات الفعلية التي يجب أن تكون ضمن المشهد العام ليراها كل العالم. وهذه هي رؤية المملكة تمضي لتؤسس لمرحلة جديدة من تاريخنا الذي امتد لثلاثة قرون لتصنع منه عنونة جديدة لهذا العالم ليقف على حقيقة التاريخ والجغرافيا، وليرى البياض الناصع الذي أشرق يوم بدينا لتكون ذكرى التأسيس يوم الثاني والعشرين من فبراير من كل عام، اليوم الذي نعرّف العالم على كل سماته وعطائه ومعالمه ليعيشوا معنا بُعدي الزمن الماضي والحاضر وكذا التحولات الكبيرة التي حملت معها العديد من الأحداث السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وإلى لقاء..