يعد الشاعر العربي اليمني الكبير عبدالله البردوني -رحمه الله-، أحد أبرز الشعراء العرب في القرن العشرين، وأحد الشعراء المعاصرين القلائل الذين سعوا للتجديد في لغة القصيدة العربية الحديثة وبنيتها شكلا ومضمونا. ورغم أن البردوني قد كف بصره وهو لا يزال طفلا صغيرا، ربما لم يتجاوز السنة الرابعة أو الخامسة، وبرغم مكوثه جل سنوات عمره التي لا تكاد تتجاوز السبعين عاما في بلاده اليمن، غير أن شعره اكتنز عن آخره ب (اللون) ورموزه ودلالاته المتعددة، حيث تفوقت حاسته الشعرية بكثير على حاسته البصرية التي افتقدها, فعوضه الله -سبحانه وتعالى- عن هذه بتلك. كما ورد في شعره أيضا الكثير جدا من أسماء الأماكن والمواضع الجغرافية والتاريخية، من مدن وقرى ومعالم أثرية وطبيعية أخرى، داخل (جزيرة العرب) وخارجها، حيث كان حضوره كانسان في (المكان) واحتفاؤه به أكبر بكثير من حضوره كمجرد شاعر عربي يمني يعيش بمنأى عن العالم من حوله، وفي بيئة منغلقة على نفسها، وإنما كان حضوره منفتحا على الآخر، كشاعر مرهف الحس، وكمثقف عربي واسع المعرفة، يرى أن (المكان) بجميع دلالاته الحسية والمعنوية هو هوية الإنسان ومحور وجوده على هذه الأرض. ويأتي كتاب الدكتور خالد اللعبون المعنون ب (المكان في شعر البردوني) الصادر عام 2014م في (دراسة موضوعاتية)، ليكشف لنا عن كثير من أسرار المكان التي اكتنز بها شعر البردوني، اذ يندر أن تخلو قصيدة من قصائده من هذا العنصر، مع غزارة شعره وتحليقه في آفاق شاسعة، موغلة في أبعاد جغرافية وطبيعية وإنسانية لا حدود لها. وفي مقدمة الكتاب يتطرق المؤلف الباحث لشيء من اهتمام (البردوني) بالمكان ووروده في شعره بكثرة، بقوله: «للمكان في الشعر العربي أهمية كبرى، وأثر واضح في مد الشعراء بأفكار ورؤى. والشاعر اليمني البردوني برز عنده المكان في صور مختلفة، وتجليات متعددة، فهو نتاج بيئته ومكانه، ومنها استلهم كثيرا من أفكاره ورؤاه. وقد لحظت أن البردوني استثمر المكان في صور متعددة، فهو عنده متعدد الموضوعات، واستثماره للأماكن ظهر في مضامين متعددة، لا تخلو من الجدة والطرافة، فأحببت استقصاء ذلك ورصده، فخرجت بمحصلة وافرة، تنهض ببحث علمي، آمل أن يضيف جديدا، ويظهر مخبوءا» -انتهى كلامه-. وحول المنهج البحثي الذي اعتمد عليه الباحث لدراسة عنصر المكان في شعر البردوني من جوانب عدة، نجد أنه قد قام بتقسيم دراسته هذه إلى فصلين رئيسين، يندرج تحت كل منهما مجموعة من المباحث، كانت على النحو التالي: الفصل الأول: ملامح المكان: ويتكون هذا الفصل من مبحثين: المبحث الأول، وكان بعنوان (المكان التاريخي والراهن). أما المبحث الثاني، فقد كان بعنوان (المكان الموضوعي والذاتي). الفصل الثاني: دلالات المكان: ويتكون هذا الفصل من ثلاثة مباحث، هي على التوالي: المبحث الأول، كان بعنوان(الدلالة النفسية)، المبحث الثاني، وقد كان بعنوان (الدلالة السياسية)، أما المبحث الثالث، فقد كان بعنوان (الدلالة الاجتماعية).