حظيت المرأة الخليجية الشاعرة أخيراً باهتمام واضح يكاد يطاول الاهتمام بالمرأة الروائية في الخليج، إذ اهتمت كتب عدة ورسائل علمية بشعرها، كان منها حديثاً رسالة دكتوراه بعنوان: «السردي في شعر المرأة الخليجية 1383-1430»، مقدمة في قسم الأدب في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام، لأماني بنت محمد الشيبان. ومهدت الباحثة لرسالتها بإطار نظري تحدث عن الشعر والسرد، ثم بيّنت حدود شعر المرأة الخليجية وأطواره، إذ جعلت بداية دراستها مع صدور أول ديوان شعر نسائي يصدر في الخليج للشاعرة السعودية ثريا قابل 1963، وأوضحت أنها لا تجزم بأن الصدارة تخص ثريا قابل، فالشاعرة الكويتية سعاد الصباح التي أصدرت أول دواوينها عام 1964 كانت أنضج تجربة من ثريا قابل، إلا أنها قصرت النزاع على الصدارة بين الشاعرتين. وتشير الباحثة إلى أن شعر المرأة لم يكن أقل قيمة من شعر الرجل، وبيّنت كيف تمكنت الشاعرة المرأة عموماً والخليجية خصوصاً، من تجاوز عقبات كثيرة، حتى استطاعت أن تصل إلى ما وصلت إليه. تقول: «أستطيع القول إن الشاعرة الخليجية مرت بأربع مراحل من حيث الركود والحراك وما بينهما»، وتتلخص هذه المراحل ب«مرحلة الإرهاصات، ومرحلة التردد، ومرحلة الحضور، ومرحلة الحراك». وترى الشيبان أن الشاعرة الخليجية لم تخض التيار التقليدي الخالص مثل الشاعر الخليجي، بل كانت تجاربهن تراوح أو تنتمي إلى التيارين التجديدي والتحديثي، «اقتصر بعضهن على أحدهما، وانتقل بعضهن من أولهما إلى الآخر». تنقسم الرسالة إلى خمسة فصول في ما يزيد على 500 صفحة، في الفصل الأول تحدثت عن مصادر السردي في شعر المرأة الخليجية، في مباحث عن الموروث الديني والموروث التاريخي والموروث الأدبي، ففي الموروث الديني تبرز الاستفادة من القرآن والسنة، «ويأتي تعامل الشاعرات الخليجيات مع النص القرآني على مستويين، الأول مضموني والآخر تركيبي» وتضيف: «أما إفادتهن من نصوص السنة النبوية فأقل من ذلك بكثير، وهي تركز غالباً على المستوى التركيبي». وتعرض الباحثة تباعاً نماذج من إفادة الشاعرات الخليجيات من الموروث الديني. وفي الموروث التاريخي تتبعت الباحثة أشكال حضوره في نصوص الشاعرات الخليجيات وتأثيره ووسائل الإفادة منه. ثم انتقلت إلى الحديث عن الموروث الأدبي، فتحدثت عن الموروث الأدبي العربي، ثم الموروث الأدبي العالمي، مثل شخصيات سيزيف وكيوبيد وعشتار وغيرها. أما الفصل الثاني فقسم إلى ثلاثة مباحث، أولها مبحث بعنوان القصة الكاملة، ويتعرض إلى النصوص التي تعمد الشاعرة فيها إلى إيراد قصة كاملة، مسخرة نصها لعرضها كاملة من أولها إلى آخرها. وترى الشيبان أن هذا النوع يأخذ مساحة كبيرة في نصوص الشاعرات الخليجيات، وضربت لذلك أمثلة. وثانيها مبحث بعنوان المقطع السردي، وتعني الباحثة بالمقطع السردي اشتمال النص على مقطع سردي لا يشمل النص الشعري كاملاً. والمبحث الثالث بعنوان الشذرة الحدثية، وتقصد بها تلك الأحداث التي ترد في قصائدهن من دون أن تمثل تلك الأحداث حكاية مكتملة. وعنونت الفصل الثالث بالمقومات السردية في شعر المرأة الخليجية، إذ تستعرض فيه المقومات الرئيسة الأهم في السرد، وهي الأحداث والشخصيات والإطار الزماني والإطار المكاني، ويمثل كل واحد منها مبحثاً. وكان عنوان الفصل الرابع التوظيف السردي في شعر المرأة الخليجية، وفيه أربعة مباحث، أولها التوظيف الذاتي، إذ تعرض فيه الرؤية الذاتية التي تعدها من أبرز الرؤى التي شملتها تجارب المرأة الشاعرة، وثانيها التوظيف الاجتماعي، وفيه تعرض الرؤى الاجتماعية التي تناولتها تلك الشاعرات، لكنها تنبه إلى هناك من الشاعرات الخليجيات والعربيات أيضاً من يضعف لديها الإحساس بالمجتمع، أما ثالث المباحث فكان عنوانه التوظيف السياسي، أوضحت فيه أن الشاعرة في الخليج تناولت القضايا السياسية شعراً من جانب إنساني مرة، ومرة من جانب سياسي برؤية قومية، والمبحث الرابع كان عن التوظيف الديني. ولاحظت الشيبان أن الشاعرة الخليجية وظفت المضمون الديني بشكل لافت، وتغلب على شعرها الديني المناجاة. وجاء الفصل الخامس بعنوان: أثر السرد في بنية شعر المرأة الخليجية، مقسم إلى خمسة مباحث، فالمبحث الأول هو المستوى المعجمي، توضح فيه الخصوصية المعجمية للشاعرة الخليجية، ومن ثم الخصوصية السردية المتعلقة بالمستوى المعجمي. وتقول الشيبان في المبحث الثالث «المستوى الإيقاعي»: «ويبدو أن المستوى الإيقاعي لدى الشاعرات الخليجيات طرأت عليه بعض التطورات التي تأثر فيها ببعض الملامح السردية»، وفي المبحث الثالث تتبعت الصورة المتنامية في شعرهن، وهي الصور التي تجيء في سياق متوال متتابع إفادة من تقنيات السرد، أما المبحث الرابع فكان الفضاء التشكيلي، وفيه درست الشيبان أبرز العلامات الشكلية في نصوص الشاعرة الخليجية، ثم المبحث الخامس، إذ تحدثت عن الوحدة العضوية. وخلصت الباحثة إلى نتائج عدة، لعل أبرزها أن الحدود بين الشعر والسرد آخذة بالانحسار ومن ثم التلاشي، وأن الشاعرة المرأة قريبة في شعرها من تقنيات السرد أكثر من الرجل، وتشير أيضاً إلى انكفاء كثير منهن على ذواتهن وإهمال محيطهن الاجتماعي. وخلصت إلى أن المرأة تدرجت تدرجاً عكسياً في سلم الإبداع، إذ تبدأ بالشعر العمودي ثم تتدرج فيه إلى شعر التفعيلة، وقد يتجه بعضهن إلى الشعر الحر، أو إلى تسريد الشعر تسريداً تاماً، على خلاف الرجل، إذ تقول الشيبان إنها لم تلمسه في شعر الرجل، وتشير إلى أن هذا التدرج ربما يكون ناتجاً من خلل في حسهن الإيقاعي وضعفه عندهن. ومن النتائج التي وصلت إليها الباحثة أن مفردات الشاعرة الخليجية تأتي واضحة قريبة من لغة الحياة اليومية، إلى الدرجة التي تطغى فيه اللغة الوظيفية على اللغة الإيحائية، وتشير أيضاً إلى أن الشاعرة الخليجية تعتني اعتناء بالغاً بالفضاء التشكيلي لنصها. وفي نهاية الرسالة جعلت ملحقاً لتراجم الشاعرات مقسمات بحسب دولهن. ونوقشت الرسالة في جامعة الإمام بقسم الأدب في كلية اللغة العربية، وقررت لجنة المناقشة التي تكونت من الدكتور محمد القاضي المشرف على الرسالة مقرراً، والدكتور محمد نجيب العمامي من جامعة القصيم عضواً خارجياً، والدكتور حسن النعمي عضواً داخلياً، منح الشيبان درجة الدكتوراه في الأدب والنقد بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى.