لا يمكن أن يجتمع نجاح دولة ما وازدهارها وتطورها مع وجود الفساد، هذه قاعدة كونية أثبت التاريخ على امتداده صحتها، فالأمم والحضارات مثل البشر؛ تولد وتزدهر وتتطور ثم تضعف وتموت، إلا أن فترة ازدهارها وفتوتها قد تقصر لسنوات وقد تمتد لمئات السنين بشرط سلامتها من الأمراض، وأشهر وأخطر الأمراض التي قد تصيبها هو الفساد، ولذلك فإن أحد أهم مؤشرات نجاح التنمية والنهضة لبلد ما، هو إعلان الحرب على الفساد والضرب بيد من حديد على الفاسدين. مشكلة الفساد أنه مرض معدٍ، وإذا ما انتشر في بيئة ما فإنه يسيطر على مفاصل البلد ويشلها تماماً، ثم تبدأ مرحلة استنزاف مقدراته ليصبح تنفيذ المشاريع بعشرات أضعاف قيمتها الحقيقية وبأسوأ وأرخص السبل لضمان أكبر قدر من الربح وبالتالي تظهر ملامح المرض على البلد؛ شوارع رديئة وأبنية متهالكة وبنية تحتية ضعيفة ليتكالب المرض وتسقط الدولة في دوامة من الفشل، والمشكلة الكبرى أن هذا النخر يتواصل دون أن تظهر أعراضه في البداية وينتهي بانهيار تام أمام أول تحد يواجه البلد المريض بالفساد. الباحث الهولندي نيلز كوبيس أشار في مقال كتبه حول العقلية الجمعية للفساد إلى أن انتشار وشيوع هذه الجريمة في المجتمعات يحرض حتى الأشخاص النزيهين على ارتكابها، وذلك من منطلق "إذا كان الجميع يفعلها فلم لا أفعلها أنا أيضاً"، وأطلق على ذلك "مفارقة سائق التاكسي"، إذ يقول إنه سأل سائق تاكسي في أحد سفراته عن أكبر تحدٍ يواجه بلده، ليجيب السائق بسيل من الشتائم على الفساد والفاسدين، لكن ذات السائق الذي ينتقد الفساد دفع أمامه رشوة لرجل المرور من أجل أن يتغاضى عن مخالفته. يشير نيلز إلى أن شيوع الرشوة ومظاهر الفساد الأخرى يجعل المجتمع يشعر بالإحباط ومن ثم يطبع هذا السلوك ويؤصله بين الناس، وفي المقابل أيضاً فإن التشنيع على مرتكبي الفساد وملاحقتهم والتشهير بهم ونشر جرائمهم وتقديمهم للقضاء يساهم في تقليص انتشار هذه الجريمة بين أبناء المجتمع ونبذ مرتكبيها. لدينا في المملكة تجربة رائعة في محاصرة الفساد واجتثاثه، فرؤية المملكة انطلقت بالتزامن مع حرب لا هوادة فيها ولا استثناءات ضد كل من تجرأ على أموال الدولة أو استغل نفوذه لمصالح شخصية، مما جعل الفاسد منبوذاً، بعكس دول تشربت الفساد حتى أصبح جزءًا من ثقافة شعبها. وما يعكس الجدية الصارمة في حرب المملكة على الفساد هو استمرارية الحرب بذات الضراوة على مدى سنوات وهو ما يكشف أن الأمر ليس مجرد حملة عابرة، بل ثقافة نزاهة يتم تأصيلها وتقف خلفها أجهزة حكومية تتعامل معها بكل حزم وتجد كل الدعم لتنفيذ مهمتها.