المملكة تهتم بتحسين البيئة الاقتصادية فيها، وذلك من أجل خلق المناخ المناسب لنشاط أصحاب الأعمال والشركات في المملكة. ومثلما يقال، فإن رأس المال لا وطن له، ولذلك، فإن رؤوس الأموال السعودية، إذا لم تجد البيئة المناسبة في الداخل لتوظيف رؤوس أموالها، فإنها سوف تبحث عن البيئة المناسبة في الخارج لتوظيف نفسها. وعلى هذا الأساس، فإن الكثير من رؤوس أموالنا كانت فيما مضى تهرب إلى الخارج، وخاصة تلك الأموال التي لم تجد البيئة القانونية المناسبة للاستثمار في الداخل. وأنا أتذكر أن طموحات أصحاب الأعمال العقاريين، في نهاية الألفية السابقة، قد دفعتهم إلى التعاقد مع أحد المكاتب العالمية لإجراء دراسة جدوى اقتصادية لإنشاء شركة تمويل عقارية. وبعد إجراء الدراسة، وجدوا أن إنشاء مثل تلك الشركة تحرمه القوانين المعمول بها. ولذلك توجهت رؤوس الأموال العقارية الكبيرة للخارج. الأمر الذي أدى إلى نشوء أزمة عقارية حادة نتيجة زيادة الطلب على العرض. والأمر لا يتوقف على رؤوس الأموال السعودية، وإنما رؤوس الأموال الأجنبية كذلك، التي تراجع تدفقها على المملكة. ولذلك ولتشجيع قدوم المستثمرين الأجانب، أنشأت المملكة في عام 2000 الهيئة العامة للاستثمار، والتي حلت محلها عام 2020 وزارة الاستثمار، وذلك من أجل خلق المناخ الاستثماري المناسب. وهذا أعطى نتائج إيجابية، وخاصة بعد طرح المملكة لرؤية 2030، التي استهدفت رفع مساهمة قطاع الأعمال في الاقتصاد إلى 65% من الناتج المحلي الإجمالي وخفض مساهمة كلا من قطاع النفط والقطاع الحكومي في الاقتصاد. إن النشرة الصادرة عن وزارة الاستثمار للربع الثالث من العام الماضي 2023، تبين أن إجمالي التدفقات الداخلة للاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة بلغت 17 مليار ريال، في حين وصل إجمالي التدفقات الخارجة 5 مليارات ريال. ولهذا، فإن صافي التدفقات علينا وصلت 11 مليار ريال. وهذا يعني أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال العام الماضي بكامله سوف تصل إلى مستويات أعلى. إن زيادة نشاط رؤوس الأموال الخاصة المحلية منها والأجنبية، هو الذي سوف يخلق المقدمات لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط. فتدفق تلك الاستثمارات على مختلف قطاعات الاقتصاد سوف يساهم في نمو الاقتصاد غير النفطي. لأن هذا النشاط سوف تنجم عنه قيام شركات تعمل في مختلف قطاعات الاقتصاد كالسياحة والقطاعات المرتبطة بها، التي تمثل الاقتصاد غير النفطي بكامله تقريباً، مثل الزراعة وصناعة المواد الغذائية ومواد البناء والخدمات والتجارة وإنتاج البضائع الاستهلاكية وغيرها. ولهذا، فإنه في مرحلة معينة من تشبع السوق السعودية بالمنتجات المحلية، فإن هذه المنتجات سوف تبحث لنفسها عن سوق في الخارج. وهذا بدوره، خاصة مع التشجيع والتسهيلات الحكومية، سوف يؤدي إلى رفع مساهمة الصادرات غير النفطية في الناتج المحلي غير النفطي إلى 50%، وربما أكثر من ذلك.