العالم المعاصر معني بما يحدث من تأجيج للكراهية والبغضاء وتأصيل العداء المنبثق من رحم الخطيئة لترزح الموضوعية تحت وطأة العاطفة المنفلتة، ما يخلف حالة من التناقض بين ما يفترض عمله وفقا للمبادئ المؤسسة للعدالة في التعامل وبين الالتزام الأدبي بكل ما يعنيه من قيم التحضر، فكل الشعوب تتطلع للعيش بكرامة، والتي تختلف ربما في طريقة التعاطي وتفسير المعطيات وفقاً لمنهجية الموقف وموضوعيته وبلورته في سياق الأطر القانونية الداعمة والضامنة لتأصيل العدل في التعامل بمعزل عن اختلاف الجنس أو اللون أو المعتقد، إن ما يحدث شرخا معنويا قاسيا في أنحاء المعمورة وتشويهاً للحس الإنساني المتجرد وبالتالي فإنه يعزز من توغل الرؤية الفوقية طالما أقصيت النواحي الإنسانية من الاعتبار، في حين أن الأخلاق تحتم على المرء تقنين المعايير وضبط حدود أفعاله وتصرفاته بتوازن يفضي إلى المصالحة مع الذات وبما ينسجم مع الأهداف النبيلة، ومما لا شك فيه بأن جل المشاكل التي تحدث سواء على المستوى الفردي أو الجماعي منشؤها ضعف التحكم والسيطرة المشاعر المؤدي إلى الانفلات والرسالة إلى الضمائر المستيقظة إلى الشرفاء في العالم من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه في تحفيز أوجه الخير من خلال بسط أسس العدالة، إن أقسى ما يعانيه صاحب الفكر السليم والعقل الراجح هو سطوة الانحياز التي ما برحت ترهق الجميع، بل إن مرارة الشعور بهذا الأمر تكون أقسى ولا ريب على من يملك النفوذ قياسا على ما سلف ذكره ليرزح تحت وطأة الضمير الذي لا يكل ولا يمل في توجيه صاحبه إلى الطريق السليم وتصويب التصرف بعيدا عن الالتفاف على المبررات التي تثقل كاهل المرتجلين. إلى ذلك فإن المثالية كذلك لا تتجزأ فلا يمكن للإنسان أن يكون مثالياً في شأن بينما تغيب هذه القيمة القيمة في الشأن الآخر، في حين أن الاجتزاء على هذا النحو هو أس المشاكل ومصدر القلق حيث تولد الازدواجية من رحم التناقضات المزعجة، إذ يجب أن يكون للكلمة دور في تطويع الحضارة لخدمة العدالة، فلم تكن الكلمة قط ضعيفة، بل إنها مصدر القوة، ومصدر العلوم المختلفة والثقافات المتعددة، ووقود الحوارات التي تتكئ على المنطق والاحترام المتبادل لتسهم في تضييق الخناق على التوتر الناجم عن تراخي القناعة أمام الالتزام بالمثل العليا ورضا الإنسان عن نفسه، وهل في بناء الحوارات الداعمة إلى سعادة البشر المبنية على الكلمة الطيبة إلا جسر لطلب عون رب العالمين في إحلال البركة على العالم أجمع، وأساس هذا ومرتكزه الرئيس هو الإنصاف في العلاقة مع الآخرين الإنصاف في المشاعر، الإنصاف في التفاعل مع القضايا المختلفة، وحينما تتقاطع المصالح ويتم تحييد الأدب والأخلاق فإن ذلك مدعاة لنشوء صراع مرير بين ما يقره المرء من ناحية ويلتف عليه من ناحية أخرى، وما فتئ العقلاء في أنحاء المعمورة يبذلون الجهود لإسماع أصواتهم لمن يعنيهم هذا الشأن، إن الارتقاء بالمستوى الفكري والأدبي يتطلب مهارة عالية ومرونة في تحقيق الانسجام، ولا يتم هذا الأمر بطبيعة الحال بمعزل عن بسط العدالة بكل ما تعنيه من حفظ للحقوق المعنوية والأدبية، من خلال فهم وجهات النظر وقراءتها قراءة متقنة تراعي الاعتبارات المختلفة، ومن ثم تقاربها وفي إطار الإحاطة بمعطيات المراحل ومتطلباتها، إن الوقت قد حان للإدارة الدولية لبسط النفوذ المنطقي والموضوعي لتحقيق السلام للشعوب المحبة للسلام وبموجب الالتزام الأدبي والأخلاقي، تجاه منح الشعوب حقوقها المعنوية والاعتبارية التي تحفظ لها سلامها وكرامتها من خلال المعايير المنصفة، بمعزل عن فرضية منطق القوة، فمن خلال منطق القوة لا يمكن أن يتحقق السلام، بل إن الاتكاء على قوة المنطق هو المعبر السلس لتحقيق السلام وفق أُطر موضوعية منصفة، فكلما سكن الهدوء في أي جزء من أجزاء المعمورة كلما ضخ هذا الهدوء معانيه اللائقة ليشمل الحرث والنسل والنبات والشجر والبحر وشرف حمل المسؤولية الأدبية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان قيمة هو المعيار السليم بدون تحيز مخلٍ أو مواربة مضللة، وهذه أهم ركائز صناعة السلام المنشود.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.