أكدت أبحاث البروفيسور درست موضوع «الوحدة» وآثارها على الإنسان لأكثر من واحد وعشرين عامًا، بما لا يدعو للشك أن الوحدة لها أثر مدمر على صحة الإنسان النفسية وحتى الجسدية. وقد طرح من خلال أبحاثه معلومة جدًّا مثيرة للانتباه حيث يقول إن الوحدة تزيد من احتمالية الوفاة المبكرة بنسبة 20 %. إضافة إلى ذلك فقد بدأت الحكومات بالانتباه إلى آثار الوحدة على الإنسان والمجتمع بشكل عام وظهرت أصوات تدعو إلى ضرورة التعامل مع هذا الوباء على حد قولهم. في الثالث من مايو،2023. نشر الموقع الرسمي الأمريكي لقسم الصحة والخدمات الإنسانية- (U.S Department of Health and Human Services) والذي يعتبر القسم المعني بالرفع من مستوى الصحة والرفاه للمجتمع الأمريكي- إنذارًا على لسان الجراح الأمريكي العام يشدد من خلاله على ضرورة مواجهة ما أسماه The Devastating Impact of loneliness and Isolation)). الأضرار المدمرة لوباء الوحدة والعزلة في المجتمع الأمريكي ويطالب بمواجهة هذا الخطر نظرًا للأضرار البليغة التي تسببها الوحدة على الإنسان. وإننا في مجتمعنا لسنا بمعزل عن هذا الوباء الذي بدء يتخذ بعداً عالمياً و إني أعتقد أن سبب تفشي وباء الوحدة والعزل يعود إلى أثر التحول الإنساني إلى المجتمع الرقمي الذي أضعف الإنسان بدرجة بليغة في جانب المهارات السلوكية التي تسهل بناء العلاقات العاطفية مع الجنس الآخر إذ أنه من الواضح أن هنالك فشل متكرر في عملية الاتصال العاطفي بين الجنسين يؤدي في نهاية إلى إفشال العلاقة، يدل على هذا الارتفاع المكوكي لحالات الطلاق في مجتمعنا إذ وصل عدد المطلقات في مجتمعنا إلى 350 ألف مطلقة هذا حسب آخر إحصائية اطلعت عليها وقد كانت في سنة 2023 كما وتشير الأرقام إلى وجود عدد سبع حالات طلاق في الساعة الواحدة و إن هذه الأرقام تدق ناقوس الخطر فما هي المشكلة بالضبط ولماذا هنالك ازدياد سنوي في عدد حالات الطلاق و السؤال الأهم لماذا المناخ العام لمؤسسة الزواج يميل إلى التوتر. على مدى تسع سنوات من عمري وأنا أبحث عن إجابة واضحة للسؤال أعلاه وتوقعت أني سأحصل على الإجابة في غضون أشهر ولكن البحث امتد بي إلى أكثر من تسع سنوات انتهت في النهاية إلى كتاب أسميته «أزمتنا العاطفية» توصلت فيه إلى أن ارتفاع معدلات الطلاق ليست مشكلة بحد ذاتها بل إنها مجرد عرض لمشكلة أكبر تسكن في مستوى أعمق. في مجتمعنا نعرف كيف نتزوج ولكن نعاني في الإجابة عن السؤال كيف إذاً نخلق الحب؟ أي أن العلاقة الزوجية في غالبيتها تبدأ في مجتمعنا في إطار تعاقدي بحت «عقد زواج» ولكنها لا تتحول إلى علاقة عاطفية «مودة ورحمة» وهنا تسكن المشكلة. ذلك أن من طبيعة الإنسان بفرعية الرجال والنساء البحث من خلال الزواج عن حالة من السكون العاطفي وفي حال فشلت العلاقة الزوجية في توفير مستوى مقبول من الرضى العاطفي فإن الزواج يصبح باهت ولا معنى له وحينها يظهر شبح الطلاق في وعي الطرفين. ولكن هنالك سؤال لا بد من مواجهته إذا كانت الطبيعة الإنسانية تبحث عن السكون العاطفي من خلال الزواج فلماذا لا تبدوا هذه الطبيعة فاعله على أرض الواقع بحيث تخلق حالة انسجام بين الرجال والنساء؟ الحقيقة أن الفشل العاطفي بين الطرفين مشكلة جداً مركبة ولها أكثر من بعد، منها ما هو خاص بنا كمجتمع مثل أن الفصل بين الشديد بين الجنسين خلق قصور في ثقافتنا العاطفية فأصبحنا لا نعرف كيف نبني علاقة عاطفية سليمة مع الجنس الآخر بل أن الحب أصبح يبدوا في وعي الجيل الجديد كحالة مثالية لا وجود لها، إضافة إلى غياب التربية العاطفية التي تبين كيفية خلق علاقة عاطفية مع الآخر و المعنى نحن نعاني من فجوات كبيرة في ثقافتنا العاطفية و الأزمة أن هذه الفجوات ملئت بأفكار ليست فقط خاطئة بل مريضه وقد تم على إثر هذا شحن الرجال و النساء سلبياً ضد بعضهم البعض مما جعل الاتصال بينهم يتموضع في «إطار الصراع» وليس «التواد» و هذا ما يفسر ظهور حالات طلاق كثيرة في اللحظات الأولى من الزواج أي أن الشحن العاطفي السلبي الذي يملئ الجنسين حد التخمة يتجلى على أرض الواقع في شكل تنافر شديد لا يتيح حتى فرصة للعلاقة العاطفية لكي تظهر ناهيك عن أن تنمو. وباختصار شديد يمكن القول أن وباء الطلاق مشكلة مركبة لها أكثر من وجه ولكن أشد وجوه هذه الأزمة عناداً هو القصور الذي يعاني منه الجيل في ثقافته العاطفية ذلك أن ثقافتنا العاطفية ثقافة طوارئ فهي تظهر فقط عند بدء المشاكل بين الزوجين بمعنى أن ثقافتنا العاطفية تركز على إصلاح العلاقات العاطفية المكسرة ولا تركز على كيفية بدء علاقة عاطفية سليمة تنمو بشكل صحيح ينتج في النهاية حالة السكون العاطفي التي هي ضرورية لخلق الاتزان النفسي. ولكي يستقر الزواج خاصة (في مجتمع رقمي خلق لدينا الرغبة بالحصول على كل شيء بسرعه كبيرة) فإنه لا بد من تحديث ثقافتنا العاطفية بحيث تكون متوائمة مع بحث الجنسين عن علاقات زوجية فيها اتصال عاطفي سريع وعميق في نفس اللحظة.