أرجو ألا أكون متجاوزاً للواقع حين أقول إن معارك المرور عندنا في المملكة، وخاصة في المدن الكبيرة ينطبق عليها عنوان هذا المقال، من حيث إن الداخل في أتونها يعد نفسه في خطر دائم إلى حين خروجه منها سالماً، ناهيك عن ازدياد شراستها يوماً بعد يوم مع ازدياد أعداد السكان وأعداد السيارات التي يزج بها إلى الشوارع، وأضيف إلى ذلك أنه مع استبشار المواطنين وفرحتهم بفوز المملكة بتنظيم معرض (إكسبو) العالمي في العام (2030) فإن القلق بدأ يساورهم من أن وضع المرور قبل المناسبة وأثناءها سيزداد سوءاً أضعاف ما هو عليه، خاصة إذا تصورنا أن عدد من سيزورون المعرض عند افتتاحه من المواطنين والمقيمين والقادمين من خارج المملكة سيتجاوز كثيراً عدد من زاروه عند إقامته آخر مرة في دبي وهو (24) مليوناً، فكيف سيكون الوضع حينها؟ يضاف إلى ذلك أنه مع ازدياد توفر وسائل الترفيه في المملكة وازدياد قاصديها من داخل المملكة وخارجها، إضافة إلى ما تقوم به القطاعات الحكومية المختصة من جهود لتحسين جودة الحياة للسكان، سوف يبقى وضع المرور هو المنغص والمقلق الوحيد للسكان، إن هو استمر على وضعه. وسأستعرض فيما يلي بعضاً من مظاهر وظواهر الفوضى والارتباك والتعدي على الحقوق في وضعنا المروري بوصفها تمثل الأخطر: أولا: إنكار حقوق الآخر، وذلك بتبني شعار (نفسي نفسي) و(أنا ومن بعدي الطوفان) من قبل نسبة كبيرة من سائقي المركبات في وضع يبدو فيه الملتزم بالنظام كالقابض على الجمر. ثانيا: إن الكثير من السائقين لا يفكر في الدخول إلى الطريق العام أو الخروج منه إلا في وقت متأخر جداً، مسبباً الأخطار لغيره ولنفسه، وهو تجاوز UTURN. ثالثا: يواجهك مظهر غريب عند الدوران، أو ما يسمى خط الدوران من قبل غالبية السائقين إلى حد غلق مسارات المتجه للأمام في مظهر يمثل التمرد على النظام، وعلى حق الآخر. رابعا: أصبح من المشاهد الخطرة، ولكنها باتت مألوفة، وقوف بعض قائدي السيارات عند الإشارة في أقصى اليمين، وهو يريد الانعطاف إلى اليسار عند فتح الإشارة مسبباً الخطر لغيره وأيضاً لنفسه كذلك. خامسا: إن من المستغرب ما يفعله أغلب القادمين من طريق الملك سلمان بالرياض في اتجاه الغرب، ويريدون الالتفاف إلى طريق الملك خالد جنوباً، إذ يسلك معظمهم أقصى اليسار في سباق محموم، مغلقاً الطريق على المتجهين غرباً، في مشهد يمثل الفوضى والانفلات. سادسا: أصابت العدوى حتى إخواننا المقيمين مع الأسف، إذ أصبح بعضهم يسير مع التيار بارتكاب المخالفات والتجاوزات متعدياً على حق غيره. سابعا: إن من أكثر ما يسبب العرقلة للسير هو الوقوف الخاطئ في كل مكان، ولو قدر أن جهاز المرور يستوفي غرامات الوقوف المخالف لأغنته عن نسبة كبيرة من ميزانيته. وبعد هذا أقول: لماذا يحدث كل ذلك وأكثر منه عندنا؟ أهو بسبب غياب الضمير، أم غياب رجل المرور، أم كليهما؟ ألسنا مثل إخواننا الأقرب إلينا في دول الخليج المجاورة كالبحرين وقطر والإمارات؟ لماذا نرى المرور عندهم منضبطاً في حين نراه عندنا في غاية الفوضى؟ ولماذا ننضبط نحن ونلتزم إذا ذهبنا إليهم، وفي بلدنا نتمرد؟ حتى أصبح الواحد منا لا يأمن على نفسه أو عائلته من أخطار المرور إن هم خرجوا حتى يعودوا؟ وأصبح الوقت الذي يقضيه الناس في تنقلاتهم يفقدهم جزءاً مهماً من استقرارهم وإنتاجهم وراحتهم وهدوء أعصابهم؟ وصار القطاع الحكومي وقطاع الأعمال من أكبر الخاسرين بسبب وضع المرور وذلك جراء فقد الوقت وجزء كبير من الإنتاجية، فضلاً عن توتر الأعصاب والنفسيات قبل مباشرة الموظفين لأعمالهم ونأتي الآن إلى وضع الجهاز المسؤول عن حركة المرور، وهو الإدارة العامة للمرور وإدارات المرور في المدن، فنقول إن هناك رجالاً مخلصين بلا شك يبذلون جهدهم في محاولة تسيير حركة المرور، ولكن أعدادهم وإمكانياتهم تقصر دون مواجهة المعضلة! وذلك رغم أن جهاز المرور نفسه سبق أن تخلى عن بعض مهامه مثل مهمة ضبط الحوادث، عدا ما يشمل إصابات بدنية، حيث أوكل المهمة إلى شركات التأمين، وهي غير مختصة، فأنشأت لها شركة (نجم)، كما تخلى عن استخدام الدراجات النارية، وأخرجها من الخدمة، رغم أهميتها للمرور عامة وبشكل خاص في سرعة الوصول إلى مواقع الحوادث في الأماكن المزدحمة، ورغم ذلك ظل جهاز المرور عاجزاً عن السيطرة، ومن الجدير بالتذكير أن مدير الأمن العام، وهو مرجع المرور قد صرح في أكثر من مناسبة بأن أداء إدارات المرور غير مرضٍ، (صحيفة الرياض 15 /4 /1437ه وصحيفة عكاظ 21 /1 /2016) ومنذ ذلك الوقت لم يتحسن شيء، بل إن الأمور ساءت إلى حد لا يطاق، بل ويسيء إلى سمعة المملكة ومكانتها، ولنأخذ على سبيل المثال أهداف رؤية المملكة (2030) لنجد أن من أهمها تحسين صورة المملكة عالمياً، وتحقيق تنمية اقتصادية طموحة، ونظراً للعلاقة القوية بين هذين الهدفين وبين وضع المرور، أقول إن ما يحدث في الشوارع يسيء حتماً إلى صورة المملكة عالمياً وداخلياً، كما يعيق بشكل أو بآخر تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة، واسألوا رجال الأعمال عن ذلك. ماذا أقول بعد؟ لقد أسرفنا في استخدام التقنية لكن ثبت أنها لا تكفي، ولا تنوب عن انتشار رجال المرور على دراجاتهم النارية وليس في داخل سياراتهم، لأن معظم المخالفات، ومنها ما ذكرت آنفاً لا يمكن ضبطها بالتقنية. وأخيراً أقول: إن ما يحدث في شوارعنا وأمام أعيننا شيء لا يقبله الدين ولا العرف، ولا السلوك الإنساني المهذب، وكل منا الكبير والصغير والأمير والوزير يخوض غمار معركة المرور مختاراً أو مضطراً لقضاء مصالحه ولكنه لا يقول شيئاً. وقد اعتدت عندما أكتب أن أختم بما أراه من اقتراح أو رأي قد يساعد على تلمس الحقيقة، ولذا أقول: إن وضع المرور في حاجة ماسة إلى إنقاذ وانتشال من الإخفاق الذي هو فيه، والأمل معقود على من بيده الأمر، وهو صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، ومن بعده صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف وزير الداخلية، وأطرح أمامهما رؤيتي المتواضعة فيما قد يساعد: أولا: رفع مستوى الإدارة العامة للمرور المرتبطة بمدير الأمن العام إدارياً إلى مديرية أو وكالة، وربطها مباشرة بوزير الداخلية. ثانيا: إعادة العمل بالدراجات النارية بكثافة في الميدان. ثالثا: تكثيف الرقابة على الوقوف المخالف من قبل رجال المرور على دراجاتهم النارية. رابعا: إحداث إدارات مرور فرعية في بعض الأحياء في المدن الكبيرة، على غرار أقسام الشرطة. والله من وراء القصد. * رئيس (نزاهة) الأسبق