الكثير منا يتذمر من عمله الروتيني والممل من وجهة نظره، وأغلب من أقابلهم يعدد سبب ملله من عمله والروتين الذي أصبح يقيده عن الإبداع، ويبدأ بسؤالك هل تحب عملك؟ هذا السؤال البسيط والمفخخ والسطحي جداً للوهلة الأولى، ولكن لو تعمقنا به ستستعصي الإجابة على هذا السؤال. هناك قوانين للحياة يجب أن نعرفها، فالحياة لا تمنع عنا ما نستحقه فعلاً، ولكنها تؤجل الأشياء لنا حتى تتأكد من استحقاقنا له، وفي معركة الحياة الكثير منا لا يمتلك رفاهية الاستقالة من عمله والعيش لفترة بدون عمل للبحث عن نفسه وعن ما يحب من مهنة تتناسب مع قدراته وميوله، فالبعض منا يجهل كيف يكتشف نوع المهنة التي تناسبه فيظل بقية عمره في وظيفة أو مهنة لا يحبها ويشتكي منها طوال الوقت، وهذا ينطبق أيضاً على المبدعين الذين غالباً ما يراقبون إبداعهم وهو يتبعثر منهم بسبب إحباطاتهم وعدم وجود من يحتضن إبداعهم، حيث الأغلبية منا يحب الحياة النمطية التي لا ينتج منها إلا شيء نعرفه جيداً ونخاف التغيير ونهرب منه غالباً، وشكل الحياة التي نعيشها والأدوات التي نستخدمها هي أشياء نجهل كيف صنعت فتجد الفرد يركب سيارة ألمانية، ويتصفح الجريدة في جهاز (آي باد) أمريكي الصنع ويرد على بريده الإلكتروني من هاتف (آي فون)، وهذا الارتباك المعرفي خلق بلادة نفسية فلم نعد نكترث بواقعنا، ولا نفكر بما نحتاجه لننهض بواقعنا النائم على سرير الأمان المعرفي المستورد، فهناك أسئلة تدور في أروقة وسائل التواصل الاجتماعي عن كيف يستطيع الفرد أن يختار مهنة يحبها وتتناسب مع قدراته وميوله ورغباته ولا تسبب له الملل؟ الواقع أنه علينا إعادة قراءة أنفسنا وإعادة اكتشافها، ونعرف من نحن وإلى أين نتجه؟ وما دوافعنا الحقيقية تجاه الأشياء؟ وما الرغبات التي تستعبدنا دون ملاحظة منا؟ فمعرفة جوهر النفس هو مطلب بحد ذاته لإدراك عميق نفوسنا، وماذا يمكننا أن نصبح غداً؟ وهذا الوعي العميق والحاد صعب الوصول له، أيضاً فكرة وظيفة وعمل دون ملل أو روتين هذه فكرة خرافية، فكل شيء في حياتنا يتسلل له الملل والروتين، لذلك لابد من تقبل فكرة الملل والروتين، هذا جزء من الحياة التي نعيشها، فكل واحد منا فريد في ذاته ومحب للإثارة والتحدي، ولكن ليس كل الوقت، فلابد أن نسير وننصت للنعم التي حولنا ونعطيها حقها، فحتى رائد الفضاء فالينتين ليبديف شعر بالروتين والملل، ففي عام 1982م كان ليبديف على متن ساليوت 7 للمرة الثانية في رحلة مدتها سبعة أشهر، وعندما استقرت المركبة في الفضاء بدأ الملل يتسرب لنفسه وكتب في مفكرته "بدأ الروتين الممل".