الأدب إنساني بتوجهه ومنتجه، لأنَّه يصدر من الإنسان ويتّجه إليه؛ فالإنسان غاية الأدب ومصدره. فلا وجود لأدب خارج الإطار ومفهوم الإنسانية لا ينحصر في إطار الرحمة والشفقة وما يتصل بهما من معانٍ أخلاقية. فالأدب الإنساني أوسع من ذلك وأشمل فهو الأفق الذي يعم البشرية كلها دون تمييز بين عرق أو لون؛ فهو يرتبط بالإنسان بوصفه إنساناً بمعزل عن أي انتماءٍ أو هوية مثلما يُعبّر عن آماله وآلامه. وقد ارتبطت صور الإنسانية لدى أدبائنا في الشعر العربي القديم، مثلما هي في نثرهم، بالقيم الاجتماعية المثلى التي تواضع عليها العرف الاجتماعي مثلما أكدها الشرع الديني؛ من مثل الشجاعة والكرم، والفضيلة التي تشمل كل القيم الإيجابيّة. ولعل أبا العلاء المعري من أكثر الشعراء ميلاً إلى إظهار تلك النزعة في شعره وخصوصاً في لزومياته التي كانت وصايا اجتماعية ومواعظ إنسانية بامتياز تنم عن شعور إنساني راقٍ، ووعي يقظ لإنسانٍ يريد الخير للناس مثلما يحبُّه لنفسه. وفي الشعر العربي المعاصر كانت الدعوة إلى التآخي من أبرز ثمار النزعة الإنسانية في أدبنا، وهي لا تقف عند مشاعر الإنسان تجاه أخيه الإنسان، على ما في هذا الإحساس من نبل وارتقاء نفسي، بل تتجاوزه إلى عالم الحيوان الذي كان يمثل الطرف الأضعف؛ فلم يجيزوا صيد العصفور، ولا قتل الحمام، مثلما شمل ذلك الزهرة التي يُعتدى عليها بقطفها من الحديقة. وهذا ما عبّر عنه الشاعر نعمة قازان داعياً إلى نبذ الحياة بمادّيتها والتّطلع إلى السمو في الحبّ ليرتقي بالإنسان إلى صفّ الأنبياء والقديسين؛ حيث يقول: ولو أنّ الحبَّ في الناس رائج رجمْتُ وربي عابد المال بالمالِ ومع ابتلاء الشعوب المستضعفة بشرّ الاستعمار كانت المطالبة بالحقوق الإنسانيّة، التي يجب أن يتساوى أمامها البشر على اختلاف أعراقهم وألوانهم وانتماءاتهم؛ فكانت الدعوة الإنسانية متمثلة في الحرية والمساواة الاجتماعية وتحقيق العدالة، وما شابهها من القيم التي تتحقّق بتحقيقها كرامة الإنسان التي هي غاية وجوده وقصد حياته. ولم يقتصر مفهوم الحرية على المعنى التحرري من المستعمر وحسب، بل تجاوزه إلى معنى التخلص من الماضي وما فيه من إرث الخرافات والعادات البالية، التي لا بدّ من التخلص منها. وإذا كان التلازم بين الكرامة الشخصية والحرية شرطاً موجباً للمفهوم الأوسع والأعم، وهو المواطنة، فقد ظهر مفهوم الوطن بما يجسّد من حبّ للأرض وانتماء لها. ولذلك ففكرة الوطن لم ترتبط بالعلاقة الجغرافية وحدودها الموضوعة مكانياً، بل ارتبطت فكرة الوطن بالعلاقة الإنسانية التي تجمع بين بني البشر. وقد أثرى الأديب العربي المكتبة العربية وقدّم لها تراثاً إنسانياً يحمل في طيّاته أبعاده الجمالية، التي نظر إليها من منظور مثالي شامل للإنسانية التي يريد لها أن تتمثّل قيم ثالوث (الخير والحق والجمال).