تشكل جهود هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) المتتالية في المكافحة إلى حد ما تحولاً حقيقياً في مواجهته، ولكنها في اعتقادي المتواضع تشكل جانباً لما أعطيت من اختصاصات يتطلع الجميع إلى ممارستها بشكل أكثر شمولية، فالهيئة ومنذ إنشائها كانت ولازلت تلقى الدعم اللامحدود من القيادة الرشيدة -رعاها الله-، وفي ذلك ما يعكس الرغبة الحقيقية في أن تضطلع بدور أكبر في المكافحة بمواكبة كل ما يستجد من الممارسات التي تشكل فساداً؛ وتأسيساً على ذلك نشير مثلاً إلى ما ورد في الفقرة رقم (1) من المادة الثالثة من تنظيم الهيئة من أرضية نظامية تنص على: "متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين بما يضمن الالتزام بها"، وهو ما يمكنها نظاماً من ممارسة صلاحيات أوسع والاضطلاع بدور أشمل في المكافحة مقارنة بحصر دورها النظامي بالاستكانة على تلقي ومعالجة البلاغات، مع الإيمان التام بأهمية ذلك، وكذلك التقدير لما تشكله المشاركة المجتمعية من ركيزة محورية في دعم جهود المحافظة على مكتسبات ومقدرات الوطن، لكن واقع الحال يدفع بطرح نقاش أكثر صراحة انطلاقاً من واجب المواطنة وحق الوطن على الكاتب في تبيان المواطن المحتمل استغلالها من قبل الفاسدين. وتأسيساً على ذلك من الأهمية بمكان التذكير بأهمية دور نزاهة الرقابي بشأن كثير من الملفات التي صدر بشأنها توجيهات واضحة أو استثناءات محددة للوقوف على مدى الالتزام بها، خصوصاً في بعض الأجهزة ذات العلاقة بتحقيق مستهدفات رؤية الوطن الطموحة، والتي أنشئت قبل أو بالتزامن مع الانحسار التدريجي لدور وزارة الخدمة المدنية نتيجة دمجها في وزارة الموارد البشرية والشؤون الاجتماعية، وما ترتب على ذلك من تلاشي ما كانت تقوم به الأولى من دور نوعي في تدقيق كل ما يخص التعيين والكفاءة والجدارة ومتطلباتهما، والتي ربما يشوبها نوعاً من التجاوزات نتيجة إعطاء صلاحياتها لتلك الأجهزة المنشأة حديثاً، فمثلاً مسوغات التعيين وكفاءة المعين وموثوقية كفاءة التعليم والخبرة، بما في ذلك منح المناصب وتحديد الأجور والمكافآت والبدلات، أضحت في الواقع محكومة إلى حد ما بحسب حجم العلاقات القائمة على المحسوبية والمنسوبية والشللية باعتبارها تلعب دوراً في قرار التوظيف ومنح الأجور وتقدير المزايا والمكافآت؛ أما إذا كانت هذه الأجهزة تدار من قبل مسؤولين تنفيذين أجانب، فإنه ربما يكون فيها منحى تقديم الأفضلية في التوظيف للأجنبي على المواطن في تخصصات لا تتسم سواء بالندرة الفنية أو الدقة في التخصص وبرواتب عالية جداً؛ هذا فضلاً عن ربما ما يحصل من تجاوز للمتطلبات المعطاة نظاماً للمحتوى المحلي على غيره في منح العقود. ولهذا نقول بإمكان الهيئة أن تمارس دوراً أكبر في المكافحة لو مارست دورها الرقابي في كثير من تلك الملفات عبر تنفيذ زيارات غير مجدولة لعدد من هذه الأجهزة وتدقيق ما لديها بصورة عشوائية للوقوف على ما يحصل فيما ذكر على سبيل المثال من مخالفات، وكشف بعض من طرق وصور الفساد المتغلغلة فيها، والتي ربما لا يمكن كشفها إلا عبر الزيارات الرقابية المفاجئة نتيجة لما تحاط به من سرية تامة، وفي ذلك الإجراء ما يكمل من جهود الهيئة في المكافحة بصورة أكثر شمولية.