كل الناس يتماثلون في الميلاد كبداية وفي الوفاة كنهاية ولكن يختلفون فيما بين هذا وذاك إن قصُر العمر أو طال، ثم يتباينون فيما بعد الموت تبايناً كبيراً بحجم النفع الذي قدموه والأثر الذي تركوه والذكرى بشقيها وتكرار دورتها واستعادتها. وابن العم والصديق والمربي عبدالرحمن العبدالله الصالح -رحمه الله- ولد كغيره ومات كغيره ولكنه ترك بناءً مختلفاً شيده بإحكام بين الميلاد والوفاة، ووفقه الله لهذا وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وقد كان لعناية والديه -رحمهما الله- ومجتمعه علاقة وثيقة بسلامة النشأة فعاش صلاحاً واستقامة وسلوكاً حسناً وتعاملاً أخلاقياً مثالياً وعلاقة شاملة صالحة، فلم ينزعج منه والد ولا ولد ولا أخ ولا قريب ولا صديق ولا جار ولا معلم ولا تلميذ ولا حتى عابر سبيل أو سالك طريق، عاش كغيره طفولته في مدينته الغالية المجمعة وأكمل مراحل دراسته الثلاث فيها بمنتهى الالتزام وحسن الأدب، واتجه للرياض وتخرج من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وأصبح معلماً للتاريخ في مدينته التي عشق ترابها ونسيمها العليل ونخلها الباسقات حتى أصبح جزءًا من تاريخها الإيجابي، وبعد التخرج عاش في سلك التعليم المثمر قرابة الأربعة عقود وله مسلك فريد ليس إلا له في خلق علاقة تواصل مع أولياء الأمور والأبناء ونجحت الأطراف الثلاثه في بناء علاقة تربوية مميزة وتجربة فريدة وأنتجت قصص نجاح ناطقة له بالفضل، وهذا دافعه الإيمان الكامل منه بدور المعلم وتأثيره الإيجابي في صلاح النشء وكذلك بناء العلاقة الأبوية والتربوية الحانية التي هي أساس النجاح والدافعة للتميز وبناء جيل المستقبل الذي سيكون عماد تقدم البلاد. عبدالرحمن العبدالله الصالح -رحمه الله- صاحب مكارم أخلاق ورجل مبادرة ويسعى للفضيلة ويشجع عليها ويحفز على الإيجابية، يزور المرضى دورياً في المستشفى ويفرج الكربات ويقرض المحتاج لحين ميسرته ويسدد الديون عن المدينين، وقد طرح الله بركة في ماله ليقضي بها حاجات الناس، ويتبنى جلسات الغسيل الكلوى للمرضى الفقراء، ويتواصل مع كل محتاج يعلم حاجته حتى يقضيها له ويعينه عليها، وصاحب شفاعة حسنة مقدرة، رجل عطاء في كل بلاء يحل بالقريب والبعيد، لا يحب الأضواء ولا يسعى لها ولا يخبر عما يفعل حفاظاً على سرية الناس وحاجاتهم، شارك في بناء شخصية شباب المجمعة من خلال عضويته لمجلس إدارة نادي الفيحاء ولأكثر من دورة، وساهم في تميز النادي بشبابه رياضياً وثقافياً واجتماعياً واستمر تواصله مع الفيحاء حتى مرضه الذي لم يدم طويلاً -رحمه الله- وجعل ما أصابه رفعة لدرجاته، حضوره الاجتماعي دائم وفي كل المناسبات وقد جعل الله بركة في وقته وأعانه على إتمام رغباته ويظهر سعادة بالمشاركة والفضل في الدعوة لها، قريب للنفس، تشعر بحميميته وصدقه مباشرةً وتراها على تعابير وجهه ونطق لسانه، صاحب رأي ومشورة وبعد نظر خاص، عفيف اللسان ولطيف الكلمة وصادق الشعور ويفرح لغيره بما يكون لهم، وفقه الله لبر مميز بوالديه، وساهم في بناء مسجد بكامل مرفقاته أمام منزله وتعاهده بالصيانة والرعاية، ورزقه الله صلاح ذريته وتوفيقهم ونجاحهم، وما سبق وغيره الكثير من عاجل البشرى للمؤمن ورضى الله عنه. ختاماً.. الناس شهود الله في أرضه، فجنازته مشهودة وقلّ أن تتكرر، ويوم وفاته يوم فضيل يوم خميس، والصلاة عليه بعد صلاة الجمعة، ومصاب الناس فيه عظيم ودعواتهم له كبيرة ومتواصلة والعديد عنه لا ينقطع، وقد انطبقت الأبيات الخالدة لأمير الشعراء أحمد شوقي في حياة الأخ والصديق والمربي وابن العم عبدالرحمن العبدالله الصالح حين قال: وخذ لك زادين من سيرة،، ومن عملٍ صالحٍ يدّخر وكن في الطريق عفيف الخُطا،، شريف السَّماع، كريم النظر ولا تخْلُ من عملٍ فوقَه،، تَعشْ غيرَ عَبْدٍ، ولا مُحتَقَر وكن رجلا إن أتوا بعده يقولون،، مرّ وهذا الأثر فمثلما كان في الدنيا صاحب رسالة وعطاء متواصل وحُبب إليه نفع الناس فقد أبقى أثراً وسيرة ومسيرة ستتناقلها الأجيال ويأخذ من الصغير والكبير العبرة، وهي قصة نجاح تستحق الاستنساخ والاقتداء، رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن الناس بخير ما يجازى به أهل العطاء والإيجابية ورواد النفع، ورفع الله درجته وأحسن وفادته وأكرم ضيافته وأنزله منازل الأبرار وجوار الأخيار. فهد بن أحمد الصالح