في إطار مواجهة التحديات العالمية المشتركة وتحقيق التكامل الإنساني بين المملكة والاتحاد الأوروبي بدأ الحوار الخاص الأول والذي تفردت به «الرياض» مع سعادة كريستوف فارنو، سفير الاتحاد الأوروبي لدى المملكة العربية السعودية، عن تعميق التعاون في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك إلى جانب العديد من المحاور المختلفة للحديث عن الأزمة التي يعيشها الأبرياء في غزة مؤخراً والتي أدت إلى تصاعد العنف والاشتباكات في غزة. كما تطرقنا إلى المبادرات المتواصلة لوقف إطلاق النار وسبب رفضها من قبل إسرائيل، والمواقف الدولية ودول الجوار من الأزمة الراهنة. المملكة حققت تقدماً ملحوظاً في عملية التنويع الاقتصادي والمجالات الأخرى الاتحاد الأوروبي شريك رئيس للمملكة * كيف تقيمون الخطوات الكبيرة التي قامت بها المملكة في التطور الاقتصادي والتحديث، فضلاً عن الجهود المبذولة في التنمية المستدامة؟ * أنا منبهر بالفعل! على مدار السنوات الماضية، حققت المملكة العربية السعودية تقدماً ملحوظاً في عملية التنويع الاقتصادي بالإضافة إلى باقي المجالات. هذه هي الاستراتيجية الصحيحة، حتى لو استغرق الأمر وقتاً أطول لتنويع صناعات جديدة وتطويرها. نأمل أن تسمح الهدنة الإنسانية في غزة بزيادة تقديم المساعدات الإنسانية هناك بعض النتائج التي لمسناها بالفعل، فلننظر إلى نسبة المرأة المتزايدة في القوى العاملة بالمملكة، مما يُعد مكسباً كبيراً. أحد العوامل المهمة هو قانون الاستثمار الجديد، والذي من شأنه رفع ثقة المستثمرين وجذب الشركات المهتمة بالمشاركة في العديد من المشروعات التي تم إطلاقها تحت رؤية 2030. فقد استمعنا إلى المؤشرات الإيجابية من المشاركين السعوديين في منتدى الاستثمار الأول من نوعه بين الاتحاد الأوروبي والمملكة الذي عُقد مؤخراً، بشأن الجهود المبذولة لجذب الاستثمارات الأجنبية. فقد بلغ عدد الشركات المسجلة بهذه الفعالية رقماً ضخماً بما يزيد عن 1000 شركة. جهوده لإعادة إحياء عملية السلام في المنطقة والحيلولة دون حدوث التداعيات الإقليمية من الواضح أن الاتحاد الأوروبي شريك رئيس للمملكة في عملية التحول المذهلة تلك. فالاتحاد ثاني أكبر شريك تجاري وأكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية بالمملكة. ونحن حالياً نعمل معاً على إنشاء غرفة التجارة الأوروبية، حيث ستكون خطوة مهمة لتعزيز التجارة البينية والعلاقات الاقتصادية، فضلاً عن جذب المزيد من الاستثمارات في كلا الجانبين. الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والتعاون الخليجي دخلت مرحلة زخم جديدة الطموح العالمي تجاه حيادية المناخ * كيف يرى الاتحاد الأوروبي جهود المملكة في المحافظة على البيئة والمبادرات التي أطلقها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء والمتمثلة بمبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر؟ * تعد مبادرتا السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر عاملين إيجابيين مهمين لاستراتيجية المملكة الأوسع في ظل جهودها للوصول لأهدافها بشأن المناخ. التغير المناخي تحدٍ عالمي ومن مسؤوليتنا المشتركة أن نترك كوكبنا صالحاً للحياة للأجيال القادمة. وفي هذا السياق، كان مؤتمر الأطراف كوب 26 الذي عُقد في غلاسكو في شهر أكتوبر 2021، نقطة تحول محورية للمملكة، حيث أعلنت قُبيل انعقاد المؤتمر عن طموحها للوصول لصافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2060. ونحن نشيد بالخطوات الملموسة التي أخذتها المملكة تجاه تحقيق هذا الهدف مثل الانضمام للتعهد العالمي بشأن الميثان. يتعين علينا استغلال انعقاد مؤتمر الأطراف كوب 28 في دبي للمضي قدماً سوياً من أجل رفع الطموح العالمي تجاه حيادية المناخ وتحسين التخفيف من آثار التغير المناخي والتكيف معها. أحد أهم أهداف الاتحاد الأوروبي المحورية هو الوصول لاتفاق حول الأهداف العالمية كزيادة استخدام الطاقة المتجددة بنسبة ثلاث مرات ومضاعفة كفاءة الطاقة. كما يتعين علينا النظر إلى التغير المناخي من منظور فرص الأعمال الجديدة. حيث يقدم التحول الأخضر إمكانات جديدة من شأنها توجيه النمو الاقتصادي وفقاً لاستراتيجية المملكة للتنويع الاقتصادي. لنأخذ على سبيل المثال سياسة المملكة حول الهيدروجين أو الاقتصاد الكربوني الدائري، حيث بإمكان الاتحاد الأوروبي والمملكة العمل سوياً على تلك الخطط. تعاون وثيق * الشراكة الاستراتيجية بين الخليج والاتحاد الأوروبي وتعميق التعاون في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك شراكة متينة. كيف ترون الفرص والتحديات التي تنشأ بفعل التطورات العالمية والإقليمية؟ * دخلت الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي مرحلة زخم جديدة؛ فنحن تجمعنا مصالح مشتركة ونحتاج إلى تعاون وثيق لمواجهة التحديات الجديدة مثل الأزمات الإقليمية والتغير المناخي، ومن التضخم المرتفع وتعطل سلاسل الإمداد داخل الاقتصاد العالمي إلى التحول في مجال الطاقة والثورة الرقمية. تعاني فئات السكان الأكثر حرماناً في منطقة الجوار المشترك والقرن الإفريقي. لكن الصورة ليست قاتمة، فنحن أيضاً نشهد تطورات إيجابية مشجعة. فالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية في المملكة ومنطقة الخليج بشكل عام مذهلة، من خلال تنفيذ رؤية 2030 والبرامج المماثلة، والتي ساهمت في إحداث التغيرات الاجتماعية والحريات الجديدة والتقدم الاقتصادي والتقني. بإمكان مجلس التعاون الخليجي الاعتماد على الاتحاد الأوروبي للمساهمة في إحداث هذا التحول. القضايا الإقليمية * يكشف الوضع السياسي والأمني عن تداعياته على كافة دول العالم، كيف ترى الحاجة الملحة الحالية إلى إقامة حوار بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون في سبيل التصدي لتلك التحديات؟ * يعقد الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي حواراً قوياً للغاية في صيغ متنوعة. فهناك ترتيب التعاون بين الاتحاد والمجلس الذي بدأ العمل به عام 1989، وجارٍ العمل على تدعيم إطار التعاون هذا، وإليكم بعض الأمثلة حول هذا الأمر: في الفترة من 9-10 أكتوبر 2023، اجتمع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي في مسقط، حيث ناقشوا العلاقات الثنائية والتي تتراوح ما بين التغير المناخي والبيئة إلى القضايا الإقليمية والدولية. وبخاصة، عبّر البيان الختامي عن شاغلنا المشترك بشأن الوضع في إسرائيل وغزة. كما اتفق الوزراء على عقد القمة الأولى من نوعها بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون في أقرب فرصة ممكنة، وقرروا تأسيس حوار أمني منظم جديد. في المجال الاقتصادي، يُعد الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر شريك تجاري لمجلس التعاون. والأسبوع الماضي، عُقد منتدى الأعمال السابع بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون بالبحرين بمشاركة أكثر من 300 شركة مسجلة وجرى مناقشة بعض من الموضوعات المهمة مثل الاقتصاد الدائري ومستقبل النقل. من خلال مثل هذا التواصل العملي، سوف نتمكن من توسيع علاقاتنا الاقتصادية وتقريب المسافات بين الشعوب من كلا الجانبين. الصراع الإسرائيلي الفلسطيني * يلتزم الاتحاد الأوروبي بالنظام العالمي السلمي والاحترام الكامل لميثاق الأممالمتحدة والقانون الدولي، ومع ذلك، لا يوجد أثر واضح للخروج بموقف موحد، أو اتخاذ استراتيجية واضحة للتعامل مع الأزمة في غزة، كيف تقرأ هذا التباين داخل الاتحاد الأوروبي؟ * كما تعرفون، الاتحاد الأوروبي ليس دولة، ولكنه يمثل 27 دولة عضوة أحياناً ومتباينة في وجهات نظرها. ومع ذلك، فإننا متوحدون في رفض الهجوم الذي نفذته حماس ضد إسرائيل، ومتوحدون في دعوة إسرائيل، خلال ممارسة حقها في الدفاع عن نفسها، للقيام بذلك وفقاً للقانون الدولي، وبالأخص القانون الدولي الإنساني. كما نتحد في تقديم المساعدات للسكان في غزة، ونتحد أيضاً حول الحاجة لحلٍ سياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. قدرتنا الجماعية على تأسيس أفق سياسي جديد * برأيك لماذا لا يوجد حتى هذه اللحظة أفق سياسي لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين؟ * دعوني أكون واضحاً: فيما يتخطى الحاجة الملحة لإنهاء الأزمة الحالية، فإن أحد أهم المسائل الرئيسية ستكون قدرتنا الجماعية على تأسيس أفق سياسي جديد. نعم سيكون الأمر صعباً، ولكن علينا العمل سوياً. يجب أن يستند هذا الأفق إلى حل الدولتين، لطالما كان هذا هو موقفنا. يجب تحقيق الحل الدائم وفقاً لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذات الصلة، فضلاً عن الاتفاقات التي توصلت إليها الأطراف سابقاً، وبالطبع مبادرة السلام العربية. وقد أوضح سعادة السيد جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي، خلال زيارته للمنطقة منذ بضعة أيام أنه لا يمكن أن يحدث تهجير قسري للفلسطينيين من غزة أو إعادة احتلال دائم من قبل الجيش الإسرائيلي أو إجراء أي تغيير في مساحة قطاع غزة أو عودة حماس. يكثف الاتحاد الأوروبي جهوده لإعادة إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط وحماية المدنيين والحيلولة دون حدوث التداعيات الإقليمية، فضلاً عن العمل على إقامة السلام العادل والدائم. فمع شركائنا ذوي النوايا الحسنة، بما في ذلك الدول العربية وبالأخص المملكة العربية السعودية، يجب أن نُلزم أنفسنا بعملية السلام وإنشاء الدولة الفلسطينية التي تعيش جنباً إلى جنب في سلام مع إسرائيل. ستكون تلك أفضل ضمانة لأمن المنطقة، وإلا، ستندلع دورة جديدة من العنف، عاجلاً أم آجلاً. يوم الإثنين الماضي، خلال المنتدى الإقليمي الثامن للاتحاد من أجل المتوسط، تشارك الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية الرسائل نفسها حول حماية المدنيين كافة والتوصل لسلام مستمر ودائم من خلال حل الدولتين. لا يمكن أن تكون هناك معايير مزدوجة * رغم أن أغلبية الدول الأوروبية، تتجه لدعم إسرائيل، ألن يساهم ارتفاع أعداد الضحايا الفلسطينيين وغياب وجود حل لإعادة النظر من خلال السياسة الأوروبية في التعامل مع هذا الملف؟ * حياة كل إنسان مهمة، فلا يمكن لأحد ألا يبالي بالمعاناة الكبيرة للسكان المدنيين في غزة. ودعونا إسرائيل لممارسة أقصى درجات ضبط النفس لضمان حماية المدنيين وفقاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. وكما ذكر سعادة السيد شارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، بصوتٍ عالٍ وواضح في باريس خلال المؤتمر الإنساني بتاريخ 9 نوفمبر بأنه "لا يمكن أن تكون هناك معايير مزدوجة". الهدنة المؤقتة والإفراج الجزئي عن الرهائن * تطالب المملكة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، ماذا عن الموقف الأوروبي تجاه هذه الأزمة؟ o أشدنا بالهدنة المؤقتة والإفراج الجزئي عن الرهائن يوم الجمعة الماضي، والتي أُعلن عن تمديدها يوم الإثنين. يجب تنفيذ الاتفاق بالكامل كخطوة أولى تجاه إنهاء الوضع الإنساني المتردي في غزة، فضلاً عن تمديده لفترة أطول. نأمل أن يشكل الاتفاق زخماً إيجابياً يؤدي إلى إنهاء الأعمال العدائية والإفراج عن الرهائن كافة. كما تعرفون، فنحن طالما دعونا إلى وصول المساعدات الإنسانية بسرعة وأمان ودون عوائق للأشخاص المحتاجين عبر كافة التدابير الضرورية بما في ذلك الممرات الإنسانية وفترات التوقف لتلبية الحاجات الإنسانية. يشدد الاتحاد الأوروبي على أن القانون الدولي الإنساني ينص على ضرورة حماية المستشفيات والإمدادات الطبية والمدنيين داخل المستشفيات. تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة * في بيان صادر عن قمة دول الاتحاد الأوروبي مؤخراً في بروكسل دعا إلى إقامة "ممرات إنسانية وهدنات" في غزة للسماح بإدخال مساعدات إلى القطاع كون المعاناة التي نراها غير مقبولة إنسانياً. ما قولك في هذا الوضع الراهن؟ * يشعر الاتحاد الأوروبي ببالغ القلق بشأن تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة؛ نعم هناك موقف مشترك للمجلس الأوروبي للدفاع عن فترات توقف (بصيغة الجمع) وممرات إنسانية. فمن مسؤوليتنا الجماعية الاهتمام والتحرك بصورة صادقة. هذه ليست مجرد أقاويل، بل أفعال. فالاتحاد الأوروبي هو احد أكبر الجهات المانحة للشعب الفلسطيني وأحد أهم المانحين الموثوقين لمنظمة الأونروا. على مدار الشهر الماضي، رفعنا مساعداتنا الإنسانية بنسبة أربعة أضعاف لتصل إلى 100 مليون يورو هذا العام. كما قدمت الدول الأعضاء بالاتحاد مبلغ 260 مليون يورو إضافية. نظمنا عملية جسر جوي إنساني لجلب المساعدات الحيوية إلى العريش لسكان غزة. أرسلنا اليوم أكثر من 20 طائرة حتى الآن. يرحب الاتحاد الأوروبي بالأعمال التنفيذية التي تتم من أجل إقامة ممرات بحرية لحشد المساعدات وتقديمها فعلياً. إن حماية المدنيين كافة شيء أساسي، وأود أن أشيد بالتزام الأممالمتحدة وهيئاتها والذين يدفعون ثمناً فادحاً في هذا الصراع. نأمل أن تسمح فترة التوقف عن الأعمال العدائية بين إسرائيل وحماس بزيادة كبيرة في وتيرة تقديم المساعدات الإنسانية إلى داخل غزة وخلالها، وألا يكون الأمر لمرة واحدة فقط. "أوروبا الجيوسياسية" * ماتزال الدول الأوروبية قادرة على الاضطلاع بدور محوري في الصراع بين الصين وأمريكا فما هو موقفكم من المنافسة العالمية الراهنة بينهما، وهل سيؤثر ذلك على السلام العالمي؟ * العلاقات بين الولاياتالمتحدةوالصين هي واحدة من العوامل المحركة في الشؤون الدولية، ولكنها ليست الوحيدة. فالاتحاد الأوروبي بعدد سكانه الذي يبلغ 450 مليون نسمة ويضم بعضاً من الدول الأكثر تقدماً اقتصادياً واجتماعياً في العالم، هو أيضاً طرفاً فاعلاً دولياً في حد ذاته. يعمل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء به على تعزيز السلم والأمن والرخاء ومصالح المواطنين الأوروبيين حول العالم. وهذا ما ندعوه "أوروبا الجيوسياسية". التعاون والمنافسة عوامل طبيعية في العلاقات الدولية. فالاتحاد الأوروبي نفسه يتبع نهجاً قوياً وواقعياً مع الصين، التي نعتبرها كشريك ومنافس وخصم، بحسب أي من أوجه علاقتنا التي نتحدث عنها. وهناك الدرس الذي تعلمناه من أزمة جائحة كورونا: حيث توجد تهديدات ينبغي لنا أن نواجهها سوياً حول العالم. نتشارك مع الولاياتالمتحدةوالصين وباقي المجتمع الدولي بعضاً من أهم التحديات لمواجهة التغير المناخي وضمان السلم والاستقرار والأمن. كريستوف فارنو، سفير الاتحاد الأوروبي (عدسة/ بندر بخش)