يقول صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - حفظه الله - في أحد اللقاءات التلفزيونية السابقة، ما نصه: "لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد سواء أميراً أو وزيراً أو أياً كان"، وفي ذلك عدة رسائل عميقة تتمحور حول إن التزام كل مسؤول أوكلت له إدارة شأن عام، ووسدت له رعاية شؤون ومصالح المواطنين التطبيق التام للأنظمة بمفهومها الشامل والموضوعي، وبما يرد في مضامينها من تعليمات وتوجيهات كنبراس لكافة الأعمال والأنشطة الإدارية في الجهة التي ولي أمر قيادة شؤونها وإدارة موظفيها، والتعاطي مع المستفيدين والمواطنين من خدماتها، ما يعكس ليس حسن تعاطي ذلك المسؤول مع ما أوكل له من مهام ومسؤوليات بتجرد وشفافية فحسب، وإنما يمثل ذلك أيضاً رسالة بليغة للمجتمع ولغيره ممن هم على رأس المسؤولية، فحواها تأكيد الجدارة والكفاءة والقدرة على تحمل المسؤوليات والتعاطي معها بأمانة ونزاهة؛ أما إذا أسندت المسؤولية إلى غير كفء أو غير نزيه، فلا يتوقع من ذلك المسؤول سوى القيام بوضع حواجز بينه وبين من أوكلت له رعاية شؤونهم، والانشغال بنفسه عما أوكل إليه من مهام، وتقديم مصالحه ومصالح المحسوبين عليه على مصالح العامة، وبالتالي خلق حالة من فوضى سوء الاستعمال والظلم الإداري والعبث بالأنظمة والتعليمات لتحقيق رغباته وتعظيم مكتسباته الشخصية، وإساءة معاملة الموظفين والمواطنين باسم المنصب والوظيفة والتنكيل بهم وتعطيل حقوقهم ومصالحهم نتيجة التمييز سواء في الحقوق أو المزايا أو الخدمات، واستغلال الوظيفة العامة ونفوذها والتفريط بالمال العام وتبديده بغير وجه حق، ولو كان ذلك بوسائل يوحي ظاهرها بالمشروعية. وسوء الفهم أو ربما القناعة القاصرة تعود في ذلك إلى ترسبات الاعتقاد التاريخية بأن المسؤول بشخصه أو فيما أوكل إليه من مهام ومسؤوليات فوق أي نظام أو تنظيم أو سلطة، أو أن له الحصانة فيما يصدر عنه من أعمال أو أفعال أو أقوال، أو أن لديه السلطات والصلاحيات لتفعيل أو تعطيل كل ما لا يتماشى مع أهوائه، أو أن له تفسير أو تعديل أو تأويل أي شيء يحد من طموحاته، أو أن له القفز على كل ما لا يحقق تطلعاته، أو أن له طمس كل ما لا يتناسب مع توجهاته، أو أنه وفق لما يراه هو الخصم والحكم فيما أسند له من مهام ومسؤوليات وواجبات؛ ولهذا نقول لا يلام هذا المسؤول على الإحساس بأنه فوق أي نظام، أو أن القانون لم يوضع إلا لخدمته، لا لمساءلته ومحاسبته نتيجة ما ترسخ سابقا من شعور بمبدأ الحصانة من العقاب، ولكن ذلك أضحى في هذا العهد الميمون في صفحات التاريخ المطوية، فنحن نعيش اليوم في هذا العهد الاستثنائي المبارك، عهد الشفافية والمسألة والمحاسبة والعقاب، عطفا على ما ذكره سمو ولي العهد بأنه لن ينجو أحد دخل في قضية فساد كائنا من كان، والشواهد على تأطير ذلك عديدة.