إذا وسدت المسؤولية إلى غير مؤهل أو غير كفء، فإن ذلك المسؤول لا يتوقع منه سوى الانشغال بنفسه عما أوكل إليه، وتقديم مصالحه ومصالح المحسوبين عليه على مصالح العامة، وبالتالي خلق حالة فوضى من سوء الاستعمال الإداري والعبث بالأنظمة والتعليمات لتحقيق رغباته الشخصية، وإساءة معاملة الموظفين والمواطنين باسم الوظيفة والتنكيل بهم وتعطيل حقوقهم ومصالحهم نتيجة التمييز بينهم في الحقوق والمزايا والخدمات، واستغلال الوظيفة العامة ونفوذها والتفريط بالمال العام وتبديده بغير وجه حق. ولهذا نقول: إن التزام كل مسؤول أوكلت له إدارة شأن عام ووسدت له رعاية شؤون ومصالح المواطنين التطبيق التام للأنظمة بمفهومها الشامل وبتجرد، والالتزام بما يرد في مضامينها من تعليمات كنبراس لكافة الأعمال والأنشطة والخدمات الإدارية في الجهة التي ولي أمر إدارة شؤونها وقيادة مسؤولياتها، فإن ذلك لا يعكس حسن تعاطي ذلك المسؤول مع ما أوكل له من مهام ومسؤوليات بكفاءة وشفافية عالية فحسب، وإنما يمثل ذلك أيضاً رسالة بليغة للمجتمع ولغيره ممن هم على رأس المسؤولية، فحواها تأكيد الجدارة والكفاءة والقدرة على حمل الأمانة وتحمل مسؤولياتها التي أوكلت له، وبتأطير التعامل مع الأشخاص والوقوف منهم على مسافة واحدة، والتعاطي مع المسؤوليات بأمانة ونزاهة. أما إذا كان ذلك المسؤول يعتقد أنه بشخصه أو فيما أوكل إليه من مهام ومسؤوليات فوق أي نظام أو تنظيم أو سلطة، أو أن له الحصانة التامة فيما يصدر عنه من أعمال وأفعال وأقوال، أو أن لديه السلطات والصلاحيات لتفعيل أو تعطيل أي قانون لا يتماشى مع أهوائه، أو أن له تفسير أو تعديل أو تأويل أي قانون يحد من طموحاته، أو أن له القفز على أي قانون لا يحقق تطلعاته، أو أنه وفق لما يراه من أي قانون هو الخصم والحكم فيما أسند له من مهام ومسؤوليات وواجبات، فإن ذلك المسؤول لا يلام على الشعور بأنه فوق القانون، أو حتى الإحساس بأن القانون لم يوضع إلا لخدمته لا لمساءلته ومحاسبته على تقصيره ترسيخاً لمبدأ أنه لا أحد فوق القانون.