المأمول ألا يفهم أن هذا المقال موجه للقدح بأحد من الوزراء، فلا نزكي على الله احدا منهم ونحسب كل من وضعت فيه الثقة من ولي الأمر اهل لها باعتبار ذلك هو الأصل, لكن لا يعني ذلك القول بحصانة كل من وسدت له المسؤولية ضد النقد البناء والموضوعي لمهامه؛ فما نستهدفه بالنقاش هنا هو انه عندما يتعلق الأمر بصلاحيات أي وزير، فإن المسألة وفضلا عن الرقابة القضائية اللاحقة، فإن المسألة لا تعدو عن كونها مسألة تحكمها أنظمة تنظم وتحكم وتبين هذه الصلاحيات وفقاً لما تقره الدولة من أنظمة بحسب تنوع وتسلسل درجاتها واختلاف متطلباتها التنظيمية، لكنها أي هذه الصلاحيات مع ذلك تظل إلى حد ما واسعة وليس لها سقف يحكمها. الوزير باعتباره يأتي على قمة الهرم الإداري في الوزارة ويناط به تنفيذ سياسات وبرامج الدولة في الأمور العائدة لوزارته يتمتع بصلاحيات تتوزع وتتنوع فيما بين سلطات تنظيمية وتنفيذية ومالية، وربما يمارس الوزير المهام الموكلة له ضمن نطاق قد يكون أبعد مما هو مسموح له به نظاما، والواقع يقول إن جزءاً من بعض الصلاحيات التي يمارسها بعض الوزراء "لا" يعرف لها أساس نظامي أو سقف تنظيمي، خصوصا عندما تمارس في ملفات طارئة وقضايا آنية لا تخضع لأنظمة صريحة، فإن تعاطي الوزير معها لا يعدو ان يكون ربما من زاوية حفظ مصالح الوزارة أو وفق ما يرسمه من سياسات من منظور "شخصي"؛ لذا ولإزالة أي غموض واجتهاد أو تجاوز قد يثور حول صلاحيات الوزراء، يفترض ان يوضع لها ضابط قانوني يوضح إطار تلك الصلاحيات بدلاً من تركها عائمة والآلية الواجب اتباعها في حالة غياب المستند النظامي لممارستها. ولهذا نقول انه اذا كان الأصل هو ان يتعاطى كل من أوكل له إدارة شأن عام على ما يعرض عليه بحسب ما تقره الأنظمة على نفسه كمسؤول قبل غيره من الناس، مما سيشكل قاعدة وركيزة من ركائز تأطير العدالة والمساواة، ويعكس التعاطي مع المسؤوليات بنزاهة وشفافية وموضوعية، وبالتالي يمثل رسالة بليغة للمجتمع فحواها تأكيد استحقاق الثقة وكفاءة حمل الأمانة، فان ذلك انما يرسخ لمبدأ مهم مضمونه أنه لا أحد فوق سيادة قوانين الدولة وهيبة مؤسساتها؛ أما اذا كان الوزير يعتقد انه بما يتمتع به من صلاحيات سواء صريحة أو عائمة فوق القانون، فإنه لا يلام حتى على الشعور بأنه خارج دائرة المساءلة أيا كان شكلها، كنتيجة طبيعية للإحساس بأن القانون لم يوضع إلا لخدمته لا لمحاسبته.. لأن الصلاحيات الغامضة أو المطلقة هي رأس الفساد.