منذ انتهاء العالم من حربيه العالميتين 1914-1945 م اللتين شكلتا هاجسًا ممزوجًا بالخوفِ والرعب والوجل، وبين الرغبةِ في السلام والوئام بين شعوبِ الأرض؛ كثيرةٌ هي الكتب والمؤلّفات والدراسات والبحوث؛ سواءٌ كانت علميةً أكاديمية أو دراساتٍ تاريخية مؤصّلةً لهكذا حروب، تُحللُ وتدرس السُبُل الكفيلة بعدمِ تكرار تلكم الحربين الثقيلتين على السمعِ والبصر بأهوالهما وما خلّفتاه من دمارٍ وكراهيةٍ. وتلكم الدراسات والبحوث تُحاول أن تجد ملجأً من عدمِ العودةِ لمثلِ هاتين الحربين المروعتين؛ التي من سماعهما يشيب منها رأس الوليد؛ إلا أنّ الوقائع والمؤشرات والإرهاصات توحي بالنفي، وأن حدوثهما أو تكرارهما قد يكون قوب قوسين أو أدنى؛ ذلك أنّ هناك قوتين؛ مُستبدٌ قويٌ يملك العدة والعتاد، وبين آخر يكون مستهدفًا لأغراضٍ اقتصاديةٍ أو جغرافية. ومنذ ذلك التاريخ الذي انتهت به تلكم الحربان وحتّى يومنا هذا، والحديث هو الحديث عن الحروب والدمار، وأنّ هناك تحت الرماد ما يوشك أن يشتعل. يقول الأول: «أرى تحت الرماد وميض نارٍ.. ويوشك أن يكون له ضرام.. فإنّ النار بالعودين تذكى.. وإن الحرب مبدؤها كلام.. فإن لم يطفئوها عقلاء قوم.. يكون وقودها جثث وهامُ».. وها هي المملكة العربية السعودية -بعقولِ قادتها وولاةِ أمرها منذُ توحيدها على يد موحدها المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مرورًا بأولاده وأحفاده الذين يتمتعونَ بالعقلِ والحكمةِ والرأي السديد- يحاولون المرة بعد المرة إخماد ما قد ينشب من نيران قبل استفحالها واشتعالها، ويفعلون ذلك أيضًا حتى بعد سعيرها، ها هم يجمعونَ العالم العربيّ والإسلاميّ في مؤتمرات متعاقبة متلاحقة؛ فقد اجتمعَ قادة العالم العربيّ والإسلاميّ بالإضافة إلى جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلاميّ في عاصمة القرار العربيّ في يوميّ 10 و11 نوفمبر 2023م، لوقفِ سعير الحرب على غزة، الحرب غيرِ المتكافئة البتّة بين قويٍّ يملك العدة والعتاد وبين ضعفاء لا حيلة لهم ولا قوة إلا بالله. وقد جاء في كلمة ولي عهد المملكة العربية السعودية صاحب السمو الملكيّ الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز: «لقد بذلت المملكة العربية السعودية جهودًا حثيثة منذ بداية الأحداث لحماية المدنيين في قطاع غزّة، واستمرت بالتشاور والتنسيق مع أشقائها والدول الفعّالة في المجتمع الدوليّ لوقف الحرب، ومن هذا المنطلق نجدد مطالبنا بالوقف الفوريّ للعمليات العسكرية وتوفير ممرات إنسانية لإغاثة المدنيين وتمكين المنظمات الدولية الإنسانية من أداء دورها»، وبدراسةٍ تحليلية لهذه الكلمة من ولي عهد المملكة العربية السعودية يتّضح أنّ هذا هو مبدأ سارت عليه المملكة العربية السعودية منذ توحيدها وحتى يومها هذا، نابذة للحروب، داعية للسلم والسلام والخير والمحبة للعالم أجمع، ويؤكد البيان الختاميّ لهذا المؤتمر ذلك؛ بقوله: «تم تكليف وزراء خارجية - المملكة العربية السعودية بصفتها رئيسة القمة الإسلامية والعربية، وكلٍّ من الأردن ومصر وقطر وتركيا وإندونيسيا ونيجيريا وفلسطين وأي دول أخرى مهتمة، والأمينين العامين للمنظمتين- ببدءِ تحركٍ دولي فوري باسم جميع الدول الأعضاء في المنظمة والجامعة لوقف الحرب على غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة». والجهودُ من أجلِّ السلام والخير تتوالى، ومد العون والمساعدة بلا منٍّ وبلا أذى للأخوة الفلسطينيين؛ حيثُ أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وصاحب السمو الملكيّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -يحفظهما الله- بإطلاق حملة شعبية لإغاثة الشعب الفلسطيني الشقيق في قطاع غزة، ولقد جُمِعَ في تلك الحملة أكثر من 500 مليون ريالٍ سعوديّ، وهي جهودٌ تُذكر فتُشكر من القيادة ومن الشعب السعوديّ النبيل الذي عُرِفَ بأصالته ونُبله ووقوفه في مثلِ تلك المواقف، وكانَ شعار اليوم العالميّ للسلام الموافق 21 سبتمبر 2023 جهودٌ من أجل السلام سعيًا لتحقيق الأهداف العالمية، وهذا ما فعلته وتفعله المملكة العربية السعودية قيادةً وشعبًا.