أستطيع تعداد مجموعة من العوامل الجاذبة لاقتناء وقراءة كتاب (تجربتي مع التاريخ الشفوي) للمؤرخ الكبير الأستاذ محمد بن عبد الرزاق القشعمي، ولعل العامل الأبرز الذي شدّني إليه بعد موضوعه الجميل هو اسم وقيمة مؤلِّفه الذي لم تتوقف جهوده، منذ عقود لخدمة ثقافة وتاريخ المملكة العربية السعودية، ولإنصاف كثير من ذوي العلم والفضل الذين كان لهم، بعد توفيق الله، دور مؤثر في النهضة التي ننعم بها اليوم في مختلف المجالات، وذلك بالتعريف بهم والكتابة عنهم وعن إنجازاتهم في مقالاته ومؤلفاته. في هذا الكتاب يتحدّث القشعمي عن تجربته في التسجيل المرئي مع أكثر من 400 شخص ضمن برنامج التاريخ الشفهي للسعودية الذي بادرت به واحتضنته مكتبة الملك فهد الوطنية ابتداء من عام 1415ه، وانتهاء بعام 1438ه. وهي لا شك تجربة رائعة وجديرة بتوثيق تفاصيلها التي كان المؤلف أكثر الأشخاص إحاطةً بها. ومن عوامل الجذب في الكتاب أنّ البرنامج سجّل مع العديد من رواد تدوين التراث الشعبي الكبار، من بينهم: عبدالكريم الجهيمان، ومحمد العبودي، وسعد بن جنيدل، وعاتق البلادي، وعبدالرحمن السويداء، وإبراهيم اليوسف، ومحمد القويعي، وعبدالرحيم الأحمدي، ومحمد دخيل العصيمي. ومن العوامل العديدة التي ربما جذبت لهذا الكتاب أن المهتم يتوقع أن يجد فيه إشارة تُبشر بموعد الإفراج عن تسجيلات برنامج التاريخ الشفوي التي تجاوزت مدّة حبس أكثرها عشرات السنوات، لكن المؤسف هو أنّه لن يجد ما يصبو إليه، وسيجد أن تركيز المؤلف انصب على سرد قائمة الأعلام الذين سجل معهم، وعلى ذكر معلومات موجزة توضح زمان ومكان التسجيل أو ذكر نُبَذ سريعة عن حياتهم وأعمالهم. وفي اعتقادي أن الكتاب ربما سيكون أكثر إمتاعاً للقارئ لو أن المؤلف منح باب (وقفات سريعة مع بعض من سُجل معهم) صفحاتٍ أكثر، وعناية أكبر كما فعل في محاضرته المشتركة مع الدكتور عبدالله العسكر التي تحدث فيها عن هذه التجربة الفريدة والثرية. من عنوان الكتاب يتضح أن غاية المؤلف هي توثيق جوانب من تجربة محدّدة هي تجربة تسجيل التاريخ الشفوي التي كُلف بها، وقد وقف وقفةً سريعة عند مسألة مهمّة أعتقد أنّها الأساس الصلب الذي يقوم عليه نجاح أي تجربة توثيق ميداني، ألا وهي معرفة الطرائق أو الأساليب السليمة التي ينبغي الأخذ بها (قبل، وأثناء، وبعد) العمل في الميدان. وقد نقل، من مصادر سابقة، مجموعة من الإرشادات أو التوجيهات التي لا بُد أن يكون الباحث على وعي تام بها، وكذلك خصّص صفحتين لعرض عددٍ من الإرشادات المساعدة للباحثين، واستشهد بمواقف استفاد فيها من تلك التعليمات أثناء خوضه لهذه التجربة. وكم أرجو أن يتوسع المؤلف الكريم في الطبعات اللاحقة في ذكر الأخطاء والتحديات التي واجهته؛ ليكون الكتاب، إضافة إلى الهدف الأساسي منه، دليلاً عملياً يُعين المختصين ويزيد من مدى معرفة ووعي القراء والمهتمين.