جميعنا يعرف أن كثيراً من الآباء والأمهات لا يحاولون تكليف أولادهم (بنين - بنات) بشيء من المسؤوليات الحياتية في المنزل أو خارجه، سواء كانت مهامّ تخصهم أو تخص الأسرة، وهذا من منطلق الشفقة عليهم والرحمة بعدم تكليفهم والعطف عليهم، بما لا يطيقون القيام به وهم صغار، هذا الأمر من حيث العاطفة الوالدية لا غبار عليه؛ فالوالدان يحملان الرحمة والإشفاق على أولادهم من مصاعب الحياة ومتاعبها، ولكن من حيث المبدأ الحياتي على المدى البعيد من أجل إعدادهم لمواجهات معيشية، ومسؤوليات حياتية، فهو مبدأ غير صحيح. فالأولاد قد يبقون متعثرين طوال حياتهم، ولن يستطيعوا القيام بمسؤولياتهم في مستقبل حياتهم الأسرية والشخصية على الوجه المطلوب، وسيجدون صعوبات وتقلبات وعقبات يتوقفون عندها بإحساس الفشل وطعم الهزيمة، والسبب (أنهم لم يتربوا) على هذا الأمر منذ صغرهم، بل تربوا على أنهم مخدومون في كل شيء وأوامرهم مجابة وطلباتهم منفذة، فعلى سبيل المثال الأب لم يعلم ابنه كيف يذهب إلى السوق مثلاً، ليشتري أغراض البيت البسيطة من حاجيات المنزل، كنوع من إسناد المهام وتدريبه على تحمل مسؤوليات مبكرة، وكذلك الأم لا تربي ابنتها على كيفية إعداد وجبة طعام، أو كيف تدير أعمال المطبخ فيما يتعلق من غسيل وتنظيم ونظافة وغيرها. ولهذا ينشأ الولد والبنت وقد تعودا على العجز والكسل، ومن ثم الفشل في تدبير حياتهما المستقبلية، والاعتماد على غيرهما في توفير الأشياء الخاصة بهما، ولهذا من الأهمية بمكان أن يمنح الوالدان أولادهم شيئاً من المسؤوليات وإسناد بعض المهمات وبشكل متدرج، ليكتسبوا الخبرات والتجارب التي تجعلهم على مقدرة من مواجهة الحياة بتدبر وخبرة ومعرفة وصبر وتحمل للمشاق، لأن ذلك سيفيدهم في مستقبل حياتهم المقبلة على النجاح والصبر، وسيتعلمون أن الحياة ليست كلها راحة، وأن فيها تقلبات وظروف متلونة بين التعب والراحة، بين السعادة والتعاسة، بين الامتلاك والحرمان، بين الابتسامة والدمعة، بين النجاح والفشل، صحيح الزمن كفيل بتربية من لم يربه أهله عليه، لكن ستكون دروس الزمن بثمن مكلف باهظ؛ ولهذا امنحوا أولادكم بعض المسؤوليات المبكرة، وكلفوهم ببعض المهام لمصلحتهم كي يتعلموا فن الحياة والعيش ويتعلموا الصبر.