تعدّ استقلالية الأبناء بذاتهم واتخاذ قراراتهم من الأمور التي يسعى الوالدان إلى التأكيد عليها، وتعويد أبنائهم على تحمل المسؤولية، إلاّ أن ذلك لا يأتي بين يوم وليلة، فهو يحتاج إلى تكاتف الأم والأب حتى لا يطغى تدليل طرف على شدة وحزم الآخر، لذلك فتحمل المسؤولية واتخاذ القرار للأبناء تبدأ منذ نعومة أظفارهم ويتعلمها الأبناء كما يتعلمون القراءة والكتابة، ولا يمكن أن يتعلّم الأطفال تحمل المسؤولية من دون تأهيلهم تدريجياً على استقلالية القرار، ومساعدتهم على بناء شخصيات ناجحة تعزز سلوكياتهم الإيجابية، فالطفل لا يولد عارفاً بكل شيء، ولهذا ينبغي أن يتعلّم المسؤولية وأن يعي أهمية التعاون والاحترام مثلما يتعلم المشي والكلام. اتخذ قرارك بنفسك تقول د. نورة اليوسف -أخصائية اجتماعية-: إنّ هناك استراتيجيات ينبغي أن توضع في الاعتبار عند مساعدة الأطفال لتعلم مهارة اتخاذ القرار منها القدرة، والممارسة، والحرية، حيث يتعلم الأطفال أنّ لديهم القدرة على اتخاذ القرار، ويجعلهم يشعرون بأهميتهم، ومع ممارستهم لاتخاذ القرار يكتشفون متعة اتخاذ الخيارات الحكيمة، والمشكلات والمتاعب التي تنجم عن اتخاذ الخيارات غير الحكيمة، مضيفةً أنه على الوالدين دور الإرشاد ببعض الطرق والأساليب التربوية والنفسية الفاعلة التي تساعد أطفالهم على اتخاذ القرار السليم، وأهم ذلك اتخاذ قرارات بعيدة المدى عند تعليم أطفالهم، واحترام الخيارات والقرارات الأولى للطفل، مع ضرورة منح الأطفال فرصة لاتخاذ القرارات البسيطة يومياً، وإيضاح السبب وراء القواعد التي تستند إلى القرار الحكيم وغير الحكيم، ومساعدة الأطفال على تقييم سلوكهم الخاص، وتشجيع الطفل بقول "اتخذ قرارك بنفسك" عندما تكون نتائج أي من الخيارات المقدمة يصلح التعايش معها، وتوجيه الأسئلة لكي ترشد العمليات العقلية المعرفية للطفل، مع ابتكار الفرص التي تجعل الأطفال يشتركون في قرارات تخص حياتهم، ومساعدتهم على التوقف قبل اتخاذ القرار وتقدير السلبيات والايجابيات أولاً، مشددةً على أهمية احترام أسئلة الأطفال وتخصيص وقت للإجابة عنها، إلى جانب تعليق الأباء على ما يراه في التلفاز والصحف من مشاهد سلوكية تتصل بالقيم، ومساعدة الأطفال على أن يعلموا أنّ الأخطاء شيء طبيعي، وأنّها مفاتيح ذات قيمة للتعلم. وأوضحت أن عملية تعلم المسؤولية تبدأ مع مولد الطفل، ولا يستطيع تنمية الشعور بالمسؤولية من ذات نفسه، وهي لا تأتي بطريق المفاجأة أو المصادفة، أو كما يقول البعض يتعلم المسؤولية عندما يكبر، ولكن يتعلم شيئاً من تحمل المسؤولية من العملية التي يلقاها من والديه والمعاملة التي يجدها ممن يحيطون به، ومن المهام التي تسند إليه، إلى جانب البيئة التي يسودها جو من الحنان والعطف تساعد على نمو الشعور بالمسؤولية، وينمو الطفل على روح التعاون والمحبة، وعلى إقامة علاقات إيجابية أساسها التفاهم والتوافق الإيجابي وهما السبيل إلى تعلم المسؤولية. شخصية إيجابية وأكد محمد الجريان - المستشار الأسري - على أنّ الدرس الأول في المسؤولية يأتي من الآباء الذين يستجيبون لحاجات أطفالهم، ومرة أخرى نجد أن مفتاح نجاح الأطفال يتمثل في استجابة الوالدين، وهذه السمة تأخذ مكان القلب وأساس أغلب ما نريد أن نكسبه لأطفالنا وما نتوقعه منهم، حيث إنّ الآباء الذين يستجيبون بالشكل المناسب لأطفالهم هم الأكثر ميلاً لتربية أطفال مسؤولين، مؤكداً على أنّ الاستجابة تصبح هي المعيار لأطفالهم، مبيناً أنّ الأطفال ينبغي أن يعاملوا بعضهم البعض بطريقة مسؤولة، والآباء الذين يدركون ويفهمون حاجات أطفالهم النفسية والتربوية والصحية والاجتماعية ويشبعونها بأسلوب صحيح، هم الأكثر ميلاً لفهم مسؤوليتهم تجاه أنفسهم وتجاه الآخرين، كما أنّ تدريب الأطفال على بعض المهام أو الواجبات المنزلية والمجتمعية الخفيفة تنمي فيهم الإحساس بالمسؤولية، ويساعد الطفل على الثقة بالنفس، ويكسبه دروساً مبكرة في تحمل المسؤولية، ويستطيع الآباء بناء اتجاه إيجابي تجاه المهام المنزلية والمجتمعية. وذكر الجريان أنّ ابتسامة الوالدين عندما يتمكن الطفل من ارتداء ملابسه بنفسه بسهولة، أو أدائه مهام وواجبات المنزل والسلوك السوي يمكن أن تكون أول درس في تحمل المسؤولية، وهذا الإحساس الإيجابي يعزز له نفسياً، حيث يشعر أنّه عضو مفيد في المنزل وخارجه، وينمو عنده الإتجاه السوي نحو ذاته لأداء واجبه بنفسه، وعلى الوالدين أن لا ينتقدا أو يسخرا من النتائج الرديئة أو السلبية إذا حدثت من الابن، مؤكّداً على ضرورة إرشاده وتوجيهه بالتدريج، فالطفل يتطلع إلى علامات الرضا ويضيق من النقد، والتوجيهات التربوية والنفسية مهارات مهمة إذا تتبعناها عند تنشئة أبنائنا حققنا فيهم صفة الشخصية الإيجابية التي تشعر وتتحمل المسؤولية، ويكونون مستقلين ومعتمدين على أنفسهم، مدركين وفاهمين معنى المسؤولية نحو دينهم، ووطنهم، ومجتمعهم. غير مسؤولة وأوصي د. مرتضى الزهيري -أخصائي نفسي تربوي- الآباء بضرورة تعليم أطفالهم أن يقبلوا ويتحملوا المسؤولية منذ الصغر، وأن لا يقبلوا منهم الأعذار غير المسؤولة مثل "نسيت"، "لم أقصد"، "بعدين"، مؤكّداً على أنّ الأعذار هي إشارة على عدم نضج الطفل، وقد يسمع كثير من الآباء عبر سنوات تربيتهم مثل هذه الأعذار من أطفالهم، ولكن الطريقة التي يستجيب بها الآباء لتلك الأعذار هي التي تجعل أطفالهم يعرفون أنّها غير مقبولة، مشيراً إلى أهمية أن نفهم أنّ الأطفال هم مشروعات في مرحلة التقدم والنمو، فلديهم الكثير ليتعلموه حول الحياة، ولكن الكثير من هذه الدروس يمكن تعلمها ذاتياً، فمع نمو وتطور الأطفال يكون الأمر متروكاً للكبار المتواجدين حولهم لأن يقدموا لهم التوجيه والإرشاد المناسبين، كما أنّه أيضاً في أيدي الكبار أن يعلموا الأطفال أن يقوّموا سلوكهم ذاتياً لتحديد ما إذا كانوا يتخذون القرارات، فما يصدر من تفاعلات للأبناء خلال مسيرة حياتهم إنما مرجعها إلى تلك القاعدة التي تم تأسيسها خلال فترة التنشئة. تدمير الشخصية وبيّن د. الزهيري أنّ اتكالية الأبناء على والديهم له أثره الكبير في تدمير شخصية الابن، فإذا أنتجت الأسرة هذه الشخصية التدميرية فإنّ ذلك سيطال المجتمع، منوهاً إلى أن بعض الآباء لا يشعرون بأنهم يصنعون ابنهم أو بنتهم بشكل خاطئ، فعلى مستوى تفكير الأب الواعي هو يريد تنشئة ابنه بطريقة متماسكة، وعلى مستوى التفكير اللاواعي يرى أنّ ابنه ما زال صغيراً ولا يُعتمد عليه، ومن هنا يحدث التدمير لشخصيته دون أن يشعر، فإذا كبر الابن وتعرض لمواقف في الحياة تحتاج إلى مواجهة واتخاذ قرار فإذا به عاجز عن ذلك، فيتكل على والديه، ويستمر بهذا الشكل لدرجة أننا نشاهد من يكون متكلاً حتى بعد أن يتزوج ويستقل لوحده، ثم تنشأ بذلك مشكلات أسرية في البيت الجديد، وكل هذا بسبب أخطاء في التنشئة الأولية. محاسبة الأبناء وقال عبد المحسن العجري -مشرف تربوي-: إنّ الواجب عمله ليعتمد الأبناء على ذاتهم تعويدهم منذ نعومة أظفارهم المشاركة مع الأسرة في تحمل المسؤوليات الصغيرة، وتزداد بنموهم حتى بوجود الخدم، إلى جانب الحوار مع الأبناء منذ صغرهم حول شؤون حياتهم، وكيف يصنعون قراراتهم ويختارونها بوجود والديهم أو بدونهم بحسب المرحلة العمرية، مع ابتكار الآباء لوسائل تشجيعية للأبناء الذين يساهمون في مهام الأسرة، وتقديرهم بالنقاط لترتيب غرفهم أو مساعدة أمهاتهم، إضافةً إلى محاسبة الأبناء المتنصلين من مسؤولياتهم وإعطائهم فرصة للأداء المهام المسندة إليهم، ومعاقبتهم إذا استمروا في ذلك، على أن يتم كل ذلك في جو من الحب للطفل، ومراعاة التدرج بحسب المرحلة العمرية، مطالباً الوالدين بقراءة كتب التربية الخاصة بتنشئة الأبناء على الاعتماد على ذواتهم، وتطبيق ذلك عملياً من خلال تفاعلاتهم اليومية مع الأسرة، مبيناً أنّه لا يوجد مجال أكثر خصوبة لتحمل المسؤولية من علاقات الطفل الاجتماعية بالآخرين، حيث تبدأ من خلال صداقات متعددة في المحيط المدرسي والعائلي، وفيها يمكن أن يعي الطفل أهمية الإحساس بالمسؤولية تجاه تعامله مع الآخرين، وانعكاس ذلك على حبهم له أو النفور منه، ولابد أن ترتبط تلك الممارسات بالحوار الدائم لأن مسألة الإخفاق في تحمل المسؤولية واردة، وهي لا تكون عادةً ضعفاً من الأطفال، ولكن محاولة للاندماج والتعلم التي قد تحتمل شيئاً من النجاح أو الفشل ولو في البداية. تعزيز الثقة وأوضح العجري أن الحوار الدائم خاصة في مرحلة المراهقة يعد من أهم الأمور، لأنّ الأبناء في هذه الفترة يبدأون في اكتشاف حدودهم وعالمهم، فإن استطعنا تكريس الوقت الكافي للاستماع لكان ذلك معيناً لنفهم نفسياتهم أكثر، ولابد من اختيار العبارات التي تزرع داخلهم الثقة في قدراتهم في مواجهة أمور الحياة، وربط اللوم على الخطأ بتوضيح أسبابه التي أدت إليه، حتى يتم ترسيخ مفهوم المسؤولية تجاه أي عمل آخر في المستقبل، كما أنّ اعتراف الأبناء بالخطأ أمامنا فرصة مهمة لتعزيز ثقتهم في أنفسهم، وإطراء شجاعتهم في تحمل مسؤولية أفعالهم، ومن المهم أن نتعلم التحكم في أعصابنا وإظهار مزيد من الصبر إزاء بعض التصرفات غير المسؤولة التي قد تصدر أحياناً رغم حرصنا الشديد، لأن المبالغة في التوقع قد تؤدي أحياناً إلى فشل من جهة الأبوين في مواجهة أي إخفاقات، مشدداً على ضرورة أن يغرس الأباء الثقة في أبنائهم بلا إفراط ولا تفريط، وذلك من خلال التحدث معهم عن معنى المسؤولية والالتزام الذاتي، وغرس قيمة محاسبة الذات والخوف من الله -عز وجل- في نفوسهم، ومشاركة الأبناء في تحمل المسؤولية منذ الصغر، إلى جانب احترام الأبناء وتقدير أي أعمال يقدمونها مهما كانت صغيرة، مع معاقبتهم على السلوك السلبى -معنوياً وليس بدنياً-، وليكن من السلوكيات التي يعاقبون عليها الاتكالية وعدم تحمل المسؤولية. الابن المدلل لا يستطيع التعايش مع ظروف وصعوبات الحياة ضبط المصاريف اليومية ينتج جيلاً واعياً بقيمة المال والعمل الأسرة أمام مهمة تغيير مفاهيم المتطلبات والكماليات تضييع الشباب لأوقات فراغهم ظاهرة مؤرقة ينبغي ضبط مصاريف الأبناء الزائدة لتعويدهم على المسؤولية مستقبلاً