لقد شكّل قدوم التطبيق الصيني المعروف ب(التك توك) صرخة جديدة في طريقة التواصل بين الناس في وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن أصبح واحداً من أشهر التطبيقات المتصدرة في عالم وسائل التواصل والمستحوذ بشكل مثير على فئات عمرية من الناس، خاصة عند استخدامه على نطاق عالمي في عام 2017م، وسر بروز التطبيق، أنه لم يعد أحد يستعمل الشبكة العنكبوتية، إلا ولديه حساب في هذا التطبيق، وهذا بحد ذاته قد زرع مخاوف وشيئاً من الهواجس لدى الكثيرين، وعلى رأسهم المهتمون بالشأن التربوي، نظراً للآثار الكبيرة التي أحدثها في حياة الناس فيما يختص بانفتاح العلاقات بين الجنسين، واختراقه للخصوصيات وكشفها بطريقة مباشرة، فهو باختصار عبارة عن جهاز (تلفزيون) الشخص من يتحكم في برامجه وفيما يبثه ومتى شاء وكيفما شاء وبأي طريقة أرادها، ولا يمكن لأحد أن ينكر التأثير البالغ، لهذا التطبيق على (الأخلاق والقيم والكثير من العادات والسلوكيات) على الفرد والأسرة والمجتمع، خاصة مع مميزات وإمكانية هذا التطبيق عن غيره من التطبيقات الأخرى (كإطلاق البثوث المباشرة) وتسيّد المساحة الأكبر لمسابقات (التسلية والتحديات) التي تجري بين المتنافسين رغم أن تلك المسابقات لا تقوم على تقديم مادة ثقافية بقدر ما هي تقوم على (لعبة تسويقية ذكية) للحصول على الدعم السخي المتبادل بين المتسابقين التي يكون للأتباع فيها دور في تمكين هذا أو ذاك المتسابق من الفوز (بالنقاط الأوفر) دون تقديم محتوى مفيد تفضي إليه المسابقة التي يكون عادة فيها (التسول والشحاذة) الوسيلة البارزة لاستجداء المال بين المتسابق وداعميه أو أتباعه وفقاً للغة وسائل التواصل إذ أن الموجودين في التطبيق هم أتباع ومتبوعون في نفس الوقت، حتى أفرزت لدينا قاموساً من الكلمات سأدعها لمقال مقبل. وأتت بعد مساحات المسابقات (مساحات البثوث الحوارية) التي كشفت لنا عن (أمية في أدبيات الحوار) ولعل حديثي اليوم سيكون مركّزاً حول هذه النقطة المهمة عندي (ثقافة الحوار) التي عرفناها في هذا التطبيق، إذ قدم بحسب رأيي (أسوأ لغة حوارية) يمكنك أن تسمعها على (منصات الحوارات، أو حول طاولات المناقشات) حوار - مع الأسف - في أغلبه منسوج بالقذف الصارخ، الذي قد يتعرض للأعراض، وكلمات السباب والشتم المقيت، حوار ممزوج بالتهم المعلبة والجاهزة التي تقذف في وجه الآخر، الذي تزف إليه ونحوه دون تثبت، في صورة للغة حوارية مملوءة (بالتصنيفات العابرة) التي تُلقى جزافاً، وهنا تبدو حقيقة العبارة المعروفة (إن لم تكن معي فأنت ضدي) أو بمعنى أدق عندما (تخالفني أو تعارضني أو لا تتفق معي) فانتظر (موجة من قذائف) اللعان والشتم والقذف تصلك مباشرة دون الحاجة إلى (منتجة أو مقص الرقيب أو رقابة الضمير) لصدها من عدم الوصول من القاذف إلى المقذوف، وقد تكون الموجة مصوبة لمجموعة بكاملها من فرد، وقد تكون بين جماعات داخل البث الواحد، فتختلط لغة الشتم والقذف بأصوات المتداخلين، فلا تعرف من هو القاذف ومن المقذوف ولمَ هو قُذف؟ وبالتالي تضيع في زحمة هذا العبث الفوضوي من (الثرثرة العمياء) التي جلبت كل تلك الضوضاء، ليتم نحر اللغة الراقية على يد اللغة السوقية التي تصنع (الرذيلة الحوارية) وتعمل على سحق (متعة الحوار المنشود وإفساده) الحوار البناء المثمر، الذي نبحث عنه وصولاً (لأهداف ومعالجات وتقارب) بين أبناء المجتمع والمتحاورين، الذي يتخفى خلف آلاف الحسابات شخصيات مجهولة.