تختلف أشكال المعاناة التي تواجه الإنسان كالاكتئاب، وفقدان الشغف، والقلق المفرط، وغيرهم. تجعله يجرب مجموعة من الحلول التي لا تنتهي. لقد أخذ الكاتب صفحتين وأكثر يعرض فيهما مجموعة لا تحصى من الحلول التي يقدمها الخبراء لنا، مثل: زيارة معالج نفسي أو مرشد اجتماعي، وتناول المهدئات، واعتناق فلسفة ما، وجلسات تنظيف الهالة، وجلسات تطهير القولون، وممارسة التمارين الرياضية، واتباع نظام صحي.. (يجعلنا نستدل بأن هنالك علاقة طردية بين العلاجات التي يقدمها الخبراء وبين سعي الإنسان في إنهاء معاناته. أي كلما زاد البحث في إنهاء المعاناة كلما ازدادت العلاجات والمسميات التي تجذب الإنسان من وسط معاناته نحوها. فالمعاناة تجعل الإنسان يتوقف عن البحث. ولأن هذه العلاجات مؤقتة وغالية الثمن، فإن الناس يجربونها متحمسين لفترة قصيرة، وبعد ذلك ينتهي حماسهم ولا يتغير معهم شيء». يخبرنا د. ديفيد أن المسبب الأول للمعاناة هو التعلق. وأشار بذلك بوذا أكثر من ألفي عام «إن أصل كل معاناة تعود للرغبة والتعلق». إذن لماذا يتعلق الإنسان؟ إنه «بسبب شعورنا بأننا غير مكتملين بذواتنا، ولهذا نحن نحتاج للأشياء، والناس، والعلاقات، والأماكن لإشباع حاجتنا الداخلية». يضع الكاتب طريقة بسيطة تساعدنا على إدراك الأسباب العاطفية الكامنة إلى نشاط نقوم به، من خلال استخدام سؤال (من أجل ماذا؟) حتى يظهر الشعور الأساسي. «مثال: لماذا أريد أن أشتري سيارة كاديلاك؟ كي أحقق مكانة وتقدير ومنزلة رفيعة.. لأجل ماذا أريد هذه المكانة؟ لكسب احترام الآخرين وقبولهم.. ومن أجل ماذا أريد كسب احترام الآخرين وقبولهم؟ كي أشعر بالأمان.. ومن أجل ماذا أريد أن أشعر بالأمان؟ كي أشعر بالسعادة. إن هذه الأسئلة المستمرة كشفت لنا احتياج هذا الإنسان. أي أن هنالك بالأساس مشاعر عدم أمان». إن كل نشاط نقوم به يكمن خلفه احتياجات ناقصة نرغب بإشباعها لكي نحصل على السعادة، وعندما لا نستطيع إشباع هذه الاحتياجات بالطبع نفتقد السعادة، أي سأشعر بالتعاسة إذا لم أستطع شراء السيارة التي تحقق لي الاحترام، ثم تحقق لي المكانة، ثم الأمان، ثم السعادة، وهذا ما يسبب الكثير من المعاناة للناس. يستطيع القارئ أن يتوصل إلى أن المعاناة هي نتاج التعلق والتعلق هو مجموعة من الاحتياجات الشعورية الناقصة، التي تجعله يبحث عن إشباعها في محيطه الخارجي (مكان، عمل، علاقة عاطفية). فالشخص الخائف يتعلق بأي علاقة تقدم له الأمان. يبدو العالم الخارجي انعكاساً للعالم الذي بداخل الإنسان، يمكن اختصاره بمقولة: «قل لي ماذا تشعر، أقل لك ما يدور حولك»، يقول الكاتب: «إن الشخص الذي يحمل في داخله الكثير من الحزن المكبوت سيخلق بالوعي أحداثاً حزينة في حياته، والشخص الخائف ينتهي إلى تجارب مرعبة، والشخص الغاضب يحاط بظروف مثيرة للغضب، في حين أن الشخص الكابت يتعرض دوماً للقهر». وهذا يعود بسبب استخدام أسلوب الكبت في تعاملنا مع ألم إهانة مشاعرنا الداخلية. وهو «أن ندفن مشاعرنا ونضعها جانبًا، ونحملها بداخلنا، فتظهر المشاعر المقموعة الحقة في تعلق وانفعال ومزاجية، وتوتر في العضلات والرقبة وارتفاع ضغط الدم. بالإضافة إلى أن المشاعر المكبوتة تعيق النضج الروحاني والوعي». يقدم لنا د. ديفيد طريقة التخلص من هذه المشاعر، وهي من خلال تقنية السماح بالرحيل. ينتهي وجود المشاعر التي بداخلنا، عندما نسمح لها بالرحيل.، هكذا ببساطة!، يقول د. ديفيد: «إن آلية التسليم سهلة، والحقيقة واضحة جلية، وهي تعمل بالحياة اليومية العادية دون الحاجة إلى اعتقاد معين». ينقسم الناس إلى عدة أقسام؛ منهم من يكبت المشاعر؛ ومنهم من يهرب منها،؛ أما الآخر فيرغب بإزالتها بشتّى الطرق التي يعرفها. لقد أخبرنا الكاتب أضرار الكبت، وكيف تظهر المشاعر المدفونة في مواقف الحياة اليومية. لكن حتى عندما نقرر بشكل جاد إزالتها فهذا يتضمن فعل المقاومة قائلاً «المقاومة هي ما تجعل الشعور يستمر، فالشعور الذي لم تتم مقاومته سيختفي وستبدد معه الطاقة الكامنة خلفه»، يتطلب منا أولاً معرفة الشعور الكامن فينا، فمعرفة المشكلة مطلب أساسي لمعرفة العلاج. يستشهد الكاتب بفلسفة سقراط (اعرف نفسك) ليثبت لنا مدى أهمية معرفة النفس حتى نستطيع أن نعرف نواقصها ومدى تأثير المعتقدات الضالة التي تؤثر على مشاعرنا. كل ما كان يريد إيصاله الكاتب، هو أن مشاعرنا التي تسبب لنا المعاناة، تعود بسبب عدم معرفتنا الكافية بالتعامل معها.