الاكتناز لا يعني تحقق الإشباع فقط مما يتعرض له المتلقي؛ ولكنه حالة تفوق الإشباع تجعله يطلب مزيداً من التلقي باستمرار، ولا يطمئن لما تلقاه سابقاً ظناً منه أن هناك المزيد، أو رغبة في التعزيز النفسي لما تلقاه وأعجبه أو رفضه.. حالة مفاهيمية يمكن لي أن اسمّيها نظرية الاكتناز التواصلي التي فاقت حالتي الاستخدام والإشباع وتعدى الوضع القائم إلى رغبات مشحونة بالإدمان لمضامين هامشية. كم هائل، وتدفق عظيم، وانسياب متواصل من المعلومات، والأخبار، والمعارف والأرقام، والتحليلات، والمواد الأخرى يتلقاه ويتعرض له المتلقي من وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة زيادة على ما يمكن أن يتلقاه تقليديا.. فهو اليوم محدود في كل اتجاه بوسائل يختار التعاطي معها بكثافة، ولأن المحتوى صار يصل إليه في أي مكان وبين يديه غدا مدمنا على مطالعة ومتابعة ما يتلقفه بل والتفاعل معه بنشرها مرة أخرى، أو بثها بتصرف منه، أو الجدل حولها. هنا أصبح المتلقي مكتنزا بمضامين ومواد ومحتوى متنوع وكثيف أكثر مما أتاه أساسا. ويمكن بناء هذه النظرية في رأيي من خلال نموذج سلوكي يبدأ بالتعرض غير المقصود، أو المقصود ثم الاستخدام المستمر للوسيلة فالاعتماد ثم الإشباع المتحقق (تقليديا كان المتلقي يتوقف عند إشباعاته المتحققة بسبب الضمور في المحتوى الإعلامي ومحدودية الوسيلة.. وبعد ذلك تأتي حالة جديدة هي ما أطلق عليها الاكتناز التواصلي الذي يجعل المتلقي في حالة تفوق الإشباع والإرضاء الذاتي إلى إحساسه بلهفة لمزيد من المحتوى الذي يتلقاه حتى لو كان مكررا، أو محدودا.. فمثلا قد يتابع أحدهم خبرا يهمه بقصد أو قصد فلا يكتفي بتلقيه لمرة أو مرتين بل ينطلق إلى عدة وسائل سواء تقليدية أو جديدة ليستزيد أو يسمع هذا الخبر مرارا بسبب أن خيارات الوسائل لديه متاحة بكثرة فسوف يجد الخبر على قناة تلفازية ثم يسمع نفس الخبر من قروب الواتساب ثم يتلقها في السناب شات فيتجه إلى تويتر وهكذا هنا يفترض أنه إشباعاته تحققت.. لكن كل ذلك لا يجعله يضجر، أو يتوقف عن تلقي المحتوى السابق لأنه برأيي احتاج الاكتناز التواصلي داخله أكثر. وهنا بعض المفاهيم المبدئية التي افترضها: * المتلقي يصيبه إغراق ويعيش حالة استغراق من خلال ما يتلقاه في تلك الوسائل دون قدرة على الفرز بسبب التدفق المتواصل. * المتلقي يزداد اكتنازا بمضامين إضافية وكثيفة لأنه يريد أن يتحول مرسلا وناشرا فتتعزز حالة الاكتناز بالتلقي والإرسال. * ترتبط درجة الاكتناز بخلفيات المتلقي الثقافية والاجتماعية ووعيه الذاتي بماهية الوسائل، وكوامن المضامين. * يتأثر المتلقي بدوافعه الذاتية للحصول على مزيد من المضامين والمحتوى التواصلي. * اعتمادية كثير من المتلقين في الوقت الحاضر على مصدر تلقٍّ أحادي أو ثنائي من وسائل التواصل زاد في استخدامه لها وجذبه البحث عن وسائل ومنصات أخرى. * الاكتناز لا يعني تحقق الإشباع فقط مما يتعرض له المتلقي؛ ولكنه حالة تفوق الإشباع تجعله يطلب مزيدا من التلقي باستمرار ولا يطمئن لما تلقاه سابقا ظنا منه أن هناك المزيد أو رغبة في التعزيز النفسي لما تلقاه وأعجبه أو رفضه. * يصل المتلقي بسب حالة الاكتناز التواصلي إلى الإدمان الوجداني بحثا عن نفس المضمون والمحتوى سواء كان معادا ومكررا، أو جديدا، بالإضافة إلى ما وراء المضمون، وتفصيلاته، وإرهاصاته فمثلا تجد المتلقي لا يكتفي بمحتوى على منصة بل يريد أن يتشبع ويكتنز بالردود والتعليق والمشاركة والإضافات المتداخلة مع أن المحتوى مكتمل التفاصيل لكنه يريد الاتساع والاكتناز بكل ما يمكن أن يحصل عليه. خلاصة الأمر؛ مؤكد أن هناك تحولا نوعيا في السلوك الاتصالي للمتلقي بالذات يجعله في واقع متشابك، ومتغير، ومتسارع بحيث أن المحتوى يقود إلى تغير نفسي وقهري يعايشه الجمهور بلا انتباه للتأثيرات التي تغطي وعيه، وتعسف سلوكه، وتخترق رغباته، وتفيض بإشباعاته ممن يضعنا في مواجهة أنماط جديدة لنشر المحتوى وتلقيه.