يُنظر للترجمة على أنها جسر حيوي للتواصل وتبادل المعلومات بين الثقافات والمجتمعات وكافة الأمم والشعوب المختلفة، كما أنها وسيلة لنقل المعرفة والثقافة من لغة إلى أخرى، مما يمكّن معرفتها وفهمها واستيعابها والإحاطة بها من قبل متحدثين بلغات مختلفة. إذاً، يمكن القول إن الترجمة تساهم في تعزيز التفاهم الثقافي والتبادل المعرفي بين الأمم والشعوب. فهي إذاً تُمكِّن الناس من الوصول إلى المعرفة والثقافة والتجارب التي قد لا تكون متاحة لهم بسبب الفوارق اللغوية والأبعاد الجغرافية. أيضًا تساعد الترجمة في نقل العلوم والآداب والتراث بين الثقافات المختلفة، كما أنه من خلال الترجمة يمكن للأعمال الأدبية والفلسفية والعلمية أن تصل إلى قطاعات وجماهير أوسع، وبالتالي يمكن للثقافات أن تتبادل المعرفة والتجارب. كذلك بالنسبة للأبحاث العلمية فالترجمة تلعب دورًا حيويًا وبارزًا في نشر الأبحاث والمقالات العلمية في مجالات متعددة، حيث يتم ترجمة الأبحاث المنشورة إلى لغات مختلفة لتكون متاحة للباحثين والمهتمين في جميع أنحاء العالم مما يساهم في تبادل المعرفة والتعاون العلمي بين الباحثين في مختلف الثقافات. أيضاً فيما يتعلق بالأعمال التجارية والتسويق فالترجمة تلعب دورًا كبيرًا في عصر العولمة إذ تمثل عاملاً مهماً في نقل المعرفة في مجال الأعمال والتجارة الدولية ويتطلب التعامل مع الشركاء والعملاء من ثقافات ولغات مختلفة ترجمة المواد الترويجية والعروض التجارية والاتصالات الأخرى لضمان فهم صحيح وفعَّال لها. كما أن للترجمة دوراً جوهرياً وفعَّالاً في التعليم يتمثل في نقل المعرفة في المجالات العلمية والتعليمية، فعندما يتم ترجمة المقررات الدراسية والكتب والمواد التعليمية إلى لغات مختلفة، يصبح من الممكن للطلاب من مختلف البلدان والثقافات أن يستفيدوا من هذه الموارد ويكتسبوا منها المعرفة والمهارات اللازمة. ومن أجل تحسين ورفع مستوى الترجمة، يجب أن يكون لدى المترجم مراسًا عمليًا ومهارة قوية في اللغتين الأصلية والمستهدفة، كما يجب أن يكون لديه كذلك فهم عميق وإحاطة واسعة ومعرفة شاملة بالقواعد والمفردات والمشتقات النحوية والصرفية في كلا اللغتين. كذلك يكون على دراية بثقافة اللغتين والتفاصيل الثقافية المرتبطة بهما إلى جانب فهم العبارات الثابتة والتعابير الثقافية التي تساعد في ترجمة النصوص بشكل أكثر دقة وملاءمة. على المترجم أيضاً أن يكون ملماً بالتدقيق اللغوي والإملائي إذ بعد إنجاز الترجمة عليه أن يقوم بمراجعتها وتحريرها بعناية وأن يتحقق من أن النص المترجم خالٍ من الأخطاء النحوية والإملائية والصياغية والتنسيقية. ومن الممكن للمترجم أن يستعين بالأدوات التقنية المتاحة التي يمكن أن تعينه وتساعده في تحسين جودة الترجمة مثل برامج الترجمة الآلية والمعاجم الإلكترونية وأدوات التدقيق اللغوي والإملائي. كذلك يجب على المترجم أن يسعى لتطوير مهاراته وقدراته الذاتية بشكل مستمر وذلك من خلال الممارسة العملية والانخراط في الدورات التدريبية، كما يمكن التواصل مع مترجمين آخرين لتبادل الخبرات فيما بينهم في مجالات الترجمة والصيغ والمفردات. وحيث إن مجالات العلوم والتخصصات تختلف وتختلف معها المفاهيم والصيغ والمصطلحات والمفردات فإن من الأهمية بمكان أن يكون للمترجم خبرة وافية ومراس كافٍ في مجالات معينة مثل الهندسة والطب والقانون وعلم النفس لأن ذلك سيساعد ويعزز كفاءة الترجمة في ترجمة النصوص المتخصصة بشكل أفضل. وفي مجال دور الترجمة في إثراء الفكر الإنساني فإن ترجمة العلوم والمعارف من لغة إلى أخرى يسهم في إثراء الفكر الإنساني حيث تُمَكّن الترجمة المهتمين من خلفيات متباينة من الوصول إلى الأفكار والمعلومات والأعمال الإبداعية والابتكارية التي يتم إنتاجها في ثقافات مختلفة، وبهذا يتحقق التفاعل بين الأفراد والجماعات مع الأفكار والرؤى الجديدة فتتسع آفاقهم وتتطور معارفهم في نقل علوم الأدب والفلسفة والدين والتاريخ والثقافة بين الثقافات المختلفة. إن الترجمة جسر يربط بين الشعوب ويعزز التعاون الثقافي والمعرفي ويروج للحوار ويزيد التفاهم والتقارب والتعايش السلمي بين الشعوب المختلفة. ومن الجدير بالذكر أن الترجمة ليست مجرد تحويل لغوي للكلمات والجمل والصيغ بل تتطلب فهمًا واسعًا للسياقات المعرفية وإدراكًا بعيدًا للتعبيرات اللغوية، لذا يفترض أن يكون لدى المترجم مراس عميق وإدراك راسخ وخلفية ثرية إلى جانب مهارات لغوية قوية في المجال الذي يتصدى لترجمته لكي يتمكن من نقل الفحوى والروح الأصليين للنص المترجَم. ومن جانب امتزاج وصهر وبلورة الثقافات المختلفة من خلال حوار الثقافات فإن ذلك يتم تفعيله عن طريق عملية تبادل الآراء والأفكار والخبرات والتجارب بين أفراد من ثقافات مختلفة سعيًا نحو تعزيز التفاهم والاحترام المتبادل بين الثقافات المختلفة مما يقوي وشائج التعاون ويدعم صلات الترابط والتواد والتقارب والتآخي والتسامح والاحترام للقيم والتقاليد والعادات والمعتقدات، وبهذا يتاح للترجمة مجالات متعددة تفتح فيها آفاقًا واسعة نحو اكتشاف أفكار وحلول جديدة في مجتمعات متنوعة الأجناس متعددة الثقافات. * جامعة الملك سعود