في تأكيده الشاحذ على أثر الفن في السلوك الاجتماعي وحياة الأفراد، أشار «أفلاطون»إلى أن الفن يستبعد أي سلوك غير مرغوب في المجتمع لانحياز إيجابي لسلوكيات محمودة تشحذ المجتمعات، وتوازي معه»ليو توليستوي» Leo Tolstoy مفكر القرن السابع، بقوة الفن التي تنتج أعلى مستويات السلوك الأخلاقي. فالنقد سلوك وفاعلية بشرية ذات نسق مرحلي، من خلال فاعليات ثانوية يمكن إدراجها ضمن عمليات رئيسة كالتعريف والوصف والإيضاح والتحليل والتفنيد والتفسير والتقييم والتحليل والتوجيه والتقدير والتعميم، فالعملية النقدية بوصفها إشكالية معرفية هي طريقة لإنجاز نسق للترجمة والقراءة ووساطة الفهم وإرادة المعرفة، وتشاكل ثنائي بالحوار والميل نحو ما يتفق مع قيمه الجمالية من الناحية الشكلية والنفسية وطرق استخلاص أهمية المعنى والشعور من الفن كمنجز بصري خالص. لتبرز أهمية النقد في تسهيل الفهم، واستجلاء المعارف، وكشف آفاق جديدة للتطور الفكري، وتقديم نصائح التكوين، لينتقل النقد لطرح الحلول والانتقال لمحفزات الانبثاق، في فاعلية وديمومة الممارسة الابتكارية لاستشعار وتلمس التذوق، كرد فعل مدروس من ناقد فني يتعمق في معاني ودلالات الصورة البصرية، عبر تسلحه بمهارات وقدرات فكرية وثقافية ومواكبة ديمومية حركة الفن وتطورها. لذا تتنامي أهمية النقد الفني، في التعريف بثقافة الفن داخل المجتمع وماهيته وضروراته الوظيفية والفلسفية وتصنيف الأجيال الفنية لمراحل وطرز ممنهجة، وتشجيع ممارسة العمليات المعرفية الإدراكية المؤثرة، وتفسير القيم الحداثية التي يطرحها الفنان، وصياغة البناء المتنامي داخل المشهد البصري، عبر أدوار عدة يتغلغل بها في الحياة المعاصرة. فالنقد الفني ركيزة وضرورة قاعدية ممنهجة من المنظومة الكلية للفن لإثراء وتنامي المشهد البصري، لتغذية الثقافة البصرية والغوص في المكنوزات الضمنية والدلالية ذات المعاني، كمركز للوصل بين الفن والذوق العام كبار ومتري ومعادل موازي منظم للحوار بينهما، وصوت المجتمع والفن والفنان، والشاحذ لتشكيل مناخ فني حيوي تتسارع فيه خطى التنامي الفني وتسطير البصمات الفنية الخاصة. حيث يعتني النقد الفني بالتوعية بمهام الفنون البصرية الإنشائية الجمالية، التي تخاطب الوجدان وتصقل الذوق وتشحذ المشاعر، وتنمية الرؤى الجمالية وإدراك العلاقات ذات التأثيرات الوجدانية، وتوفير المحيط الجمالي الذي يحاصر الفرد، وطرح قيم مضافة لمخزونه الجمالي والمعرفي، وكذا توثيق الأعمال الفنية، والحفاظ على انتمائها الحضاري، ونقل وجهة نظر الفنان للجمهور، وتقييم الأعمال من خلال قيم المجتمع بلغة أدبية. ليرتكل تطور النقد على دراية الناقد، وتزوده بالمعارف والمنهجية الاطلاعية، لبناء ناقد متحمس للفن، يفجر طاقات الإبداع ويحرك توربينات الإبداع لدى الفنانين، نحو طرح تجارب مستحدثة، حيث يتطلب شحذ المشهدية الفنية والثقافية استدعاء شيوخ المهنة والاحتفاء بهم وفرد المساحات النقدية لهم، كخبرات وعقليات لديها المنهجية والمعرفة والرؤية والاطلاع ووجهه النظر، ومساندة النقاد الحداثيين أصحاب التصورات الشابة التي تتسق واتجاهات الفنون المعاصرة وضمهم جنباً إلى جنب مع أصحاب القلم المكين، لاحتياج الساحة الفنية لهم وطرح التصورات النقدية من منحنى آخر، وتدريس ذلك الفرع في أكاديميات الفنون وكليات التصاميم والفنون ضمن الخطط الدراسية وفق المنهجيات النقدية المعاصرة في قراءة العمل الفني. كما تتلخص مهام النقد المجتمعية في تحسين البيئة الثقافية، ورسم ملامح مناخية تتولد فيه الأعمال، ليتحول اهتمام المتلقي من العالم المادي السطحي لجانب عميق يغذي النفس وينطلق بها لعالم الخيال والأحاسيس، فلا تقتصر مهمة النقد على سرد الانطباعات وفق قدرات الناقد وخبراته، والتعريف السردي للقيم الجمالية والتعبيرية والمفاهيمية، وتفنيد خصائص وأبعاد ومضامين الأعمال في صياغات مكتوبة. فانعزال النقد الفني ينحو بالمجتمع فنياً وثقافياً عن الفهم والتوعوية العمل، وضمور الخبرة الجمالية للمتلقي، بما يسهم في خفض مؤشر التذوق، والشحذ التطويري للثقافة البصرية تعطيل الفهم والتنظيم الأمثل للبيئة البصرية، وعدم التواصل وتضييق قاعدة المعرفة والخبرة. *الأستاذ المساعد بكلية التصاميم والفنون - جامعة أم القرى عبدالرحمن السليمان وقوالب فنية وتكوينات حداثية محفزة الحضور والتعبير عند عبدالله فتيني