هل عصرنا يحكمه التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي! لطالما يتساءل العديد عن مدى واقعية هذا السؤال؟! فبات العنصر البشري مهدداً من التفوق الذي تحرزه التكنولوجيا ومنصات الذكاء الاصطناعي ضد مهاراتهم وإمكانياتهم التي باتت شبه عاجزة أمام سرعاتها الهائلة! قبيل عام، ظهر ChatGPT كمنصة ذكاء اصطناعي غيرت معالم محركات البحث التقليدية ليكون كثورة الإنترنت في القرن الماضي، حيث قدم الذكاء الاصطناعي الإجابات في ثوانٍ، وصحح الأخطاء النحوية، وكتب المقالات، وترجم بين اللغات، وأظهر ما لم يخطر به في عقول العامة والمثقفين من أفكار مبتكرة وأساليب فذة لحل المشكلات، بل أصبح كسكرتير للبعض للرد على الرسائل والإجابة على التساؤلات! فبادرت حينها شركة غوغل أمام هذا التفوق بإصدار المنافس بارد "Bard" كمنصة ذكاء اصطناعي أخرى تتفوق على سابقتها! فلم يكن من علماء الحاسوب إلا أن يختبروا حديث العصر "الذكاء الاصطناعي" وهل سيتغلب فعلياً على صانعيه (عقول البشر)؟! وبدأت العديد من الأبحاث في صدد هذه التكنولوجيا الحديثة والتي هي كأي تكنولوجيا سلاح ذو حدين! فنحن لا نستطيع إغفال تأثيراتها الجبارة في صناعة المال في عالم الأعمال باختصار الأوقات وحفظ الجهود والاستغناء عن العديد من الكوادر البشرية لصالح آلة تتمتع بذكاء يفوقهم سرعة ولا يتقاعس وينفذ المهام بمهارة! ولكن هذا لا يعني استغناءً تاماً! فلا يزال هناك حاجة إلى اختصاصي ذكاء اصطناعي، وبل على الجميع أن يتمتعوا بمهارة التعامل مع منصات الذكاء الاصطناعي، فخلال العقود القادمة ستختلف التصانيف وسُيعد الجاهل بهذه المهارات في حسبة الأمي أو غير مطلوب في سوق العمل! نعم! الذكاء الاصطناعي تقنية عظيمة هي بمثابة ثورة علمية في عالم الإنترنت والأعمال، ظهورها قد غير لدى البعض مسار وأسس تنفيذ المهام في الجامعات والشركات وحتى بين الحكومات! ففي العقود القادمة سندرس تاريخ ChatGPT كما درسنا تاريخ الإنترنت! لكن، هذه الثورة العلمية ليست كسابقتها حيث تزيد فيها اعتمادية العقول البشرية عليها في إتمام معظم المهام دون تفكير منهم! فماذا سنترك حينها للعقول المفكرة والناقدة إذا تكاسل معظم البشر عن إعمال عقولهم وأخص بذلك الناشئ القادم! كيف سُتبنى مهاراتهم وتصقل أساليب البحث لديهم! فهل الذكاء الاصطناعي سيصنع جيلاً جاهلاً وغبياً ولديه تراجع في المهارات؟ وحتى إن صحت احتمالية وقوع ذلك، فخبراء التعليم لا يمكنهم منع هذه التقنية! لكن يجدر عليهم توظيفها بشكل سليم كأداة تعليمية وتحفيزية تعزز من التعلم والفهم ومهارات البحث لدى النشء. وللتقليل من المخاوف بشأن هذه التقنية وللحد من القلق الذي يحوم حولها، لا يمكن لهذه التقنية أن تكون بديلاً كاملاً عن العمل الجاد والتفكير النقدي في الكثير من المجالات ومن الاستحالة استبدالهما بالتكنولوجيا. نعم، هي مساعد باهر في اختصار الأوقات لكن لا يزال "العقل البشري" هو المفكر الإبداعي. فعلى كافة الدول والمؤسسات والأفراد، توظيف الذكاء الاصطناعي واستخدامه بمسؤولية وأخلاق. فهو لا يزال قوة إيجابية في العالم، وعلينا أن نكون على دراية بالحدود المحتملة للذكاء الاصطناعي ونستخدمه بطرق آمنة لا تضر البشرية. وهذا ما ينبغي على الجميع تذكره! * عضو تدريس في جامعة الملك خالد وطالبة دكتوراه في جامعة فلوريدا الأميركية