القراءة أكبر وأهم مصدر من مصادر المعرفة، وهي من الممارسات الضرورية لإثراء الحصيلة الثقافية وزيادة المخزون اللفظي ودعم التفكير المنطقي وشحذ الذهن وصقل الشخصية، وقلة الاهتمام بالقراءة يؤدي لضحالة المخزون الثقافي وانعدام التفكير المنطقي وتدني الوعي والخواء الذهني الذي يجعل العقول مرتعاً للخزعبلات وميداناً للخرافات ومستودعاً للتفاهات، فالمنظومة الفكرية السائدة في مجتمعنا العربي يمكن أن يطلق عليها مسمى «وهم العلم» أو «علم الجهل» حيث تتراكم معتقدات خاطئة ترسبت في العقول نتيجة تدني الثقافة، في حين أصبحت النظريات العلمية والمكتشفات الأثرية معلومات هامشية ولم يعد لها مكاناً في أذهان مقولبة تترسخ في ثناياها أفكار معلبة؛ مما أدى للجرأة على دحض نظريات علمية تبلورت على مدى مئات الأعوام وبذل في سبيل اكتشافها مجهودات حثيثة لآلاف العلماء وبنيت المعامل والمختبرات المتطورة لتجريبها وإثباتها رغم جهل أبسط تفاصيل تلك النظريات، والانتقائية العلمية بقبول بعض النظريات العلمية ونفي نظريات أخرى اعتماداً على الرؤية الذاتية والرغبة الشخصية. إن انخفاض مستوى القراءة وعدم الاهتمام بصقل الثقافة ناتجان عن العديد من العوامل ومنها سرعة وتيرة إيقاع الحياة وانتشار الأجهزة الذكية وسهولة الحصول على المعلومة مبتسرة عبر محركات البحث وانشغال الناس بالمستوى السطحي والمحتوى المبتذل السائد الذي يتم بثه عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ومن المؤسف أن الكتب الصالحة للقراءة باللغة العربية قليلة ومجالاتها محدودة، فيمكن أن يذهب الشخص لأحد معارض الكتاب التي تحوي مئات الألوف من الكتب فلا يخرج إلا بعدد من الكتب لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، ولو استعرضنا أكثر الكتب مبيعاً لوجدنا أن المترجم منها للغة العربية لا يزيد على (1 ٪)، ويبلغ عدد الكتب المترجمة في دول العالم العربي العشرين مجتمعة في عام كامل أقل مما تترجمه دولة واحدة أوروبية واحدة في شهر واحد، كما أن دولة واحدة من أصغر الدول الأوروبية وهي اليونان التي تبلغ مساحتها 130 ألف كم وعدد سكانها (10) ملايين نسمة فقط ألفت من الكتب أكثر مما ألفته جميع دول العالم العربي التي تبلغ مساحتها 14 مليون كم ويبلغ عدد سكانها (500) مليون نسمة؛ مما يدل على تردي مستوى العرب العلمي والثقافي. كما يلاحظ تكثيف طرح الكتب التافهة والروايات السخيفة وإهمال مجالات العلوم الأخرى مثل علوم الفيزياء والكيمياء وغيرهما من العلوم البحتة التي تم تبسيطها لتصبح في متناول القارئ غير المتخصص وتم طرحها بأساليب تشويقية تجذب القراء من مختلف المراحل العمرية والمستويات الثقافية، وتتضح أهمية الإلمام بالخطوط العريضة في المجالات العلمية الأساسية كعلم الفيزياء من خلال العبارة التي قالها العالم المشهور ريتشارد فينمان عندما سئل في إحدى محاضراته عن ماهية الحقيقة العلمية أو الخبرة البشرية التي يمكن ترجمتها في كلمة أو جملة للحفاظ عليها ونقلها للأجيال القادمة فيما لو حصل جائحة أو كارثة أصابت بالدمار كل المعرفة العلمية البشرية؟ فأجاب بقوله: (الحقيقة الذرية) «أي حقيقة أن كل شيء في الكون مكون من الذرات». كما يتجلى مدى تبسيط علوم بحتة قد يراها القارئ معقدة ومملة من خلال تعريف أحد علماء الكيمياء عندما سأل عن الفرق بين الفيزياء والكيمياء؛ فتناول عود كبريت ورفعه ثم أفلته ليقع على الطاولة وقال: «هذه هي الفيزياء»، ثم تناول العود مرة ثانية وحكه على علبة الكبريت فاشتعل فقال: «وهذه هي الكيمياء». أما التشويق فيتضح من خلال بعض الحقائق العلمية العجيبة ومنها أن (50) مليون ذرة لو تم صفها في صف واحد لبلغ طولها (1) سم فقط، ولو اصطف نصف مليون ذرة كربون لبلغ سمكها شعرة، ولو كبرنا ذرات برتقالة لتصبح كل ذرة بحجم العنبة لأصبح حجم البرتقالة بحجم كوكب الأرض.. «قل لي ما تقرأ.. أقل لك من أنت».