رفع كفاءة المرفق العدلي وتعزيز الشفافية يصادف الثالث عشر من شهر سبتمبر من كل عام اليوم العالمي للقانون، وهذا اليوم يعد يوماً مهماً للعاملين في المجال القانوني، ويتم الاحتفال به سنويًا منذ عام 1972، كما يعد فرصة للتفكير في الدور الذي يلعبه القانون الدولي في عالمنا، فضلاً عن أهميته في الحماية، وحفظ حقوق جميع الناس في كل مكان. وقد حققت المملكة منجزات ومكتسبات وطنية في البيئة القانونية بفضل الله ثم بالدعم والتوجيه من القيادة الرشيدة لكل ما من شأنه تطوير القانون السعودي وإيلاء الجوانب ذات الصلة بتطوير التشريعات والأنظمة اهتماماً بالغاً، وذلك لما لها من دور حيوي في تنمية مختلف مؤسسات الدولة بما يواكب التطلعات والرؤى المستقبلية للمملكة، وفق أحكام الشريعة الإسلامية وفق ما قضت به أحكام المادة (الأولى) من النظام الأساسي للحكم بأن: المملكة العربية السعودية، دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، ولغتها اللغة العربية، وعاصمتها مدينة الرياض. فمرجعية اتخاذ القرارات في المملكة مستمدة من مصادر معتبرة أكدتها أحكام المادة (السابعة) من النظام الأساسي للحكم بالنص الآتي: (يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة)، وأيضاً ما نصت عليه المادة الثامنة من النظام الأساسي ذاته بأن: (يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة، وفق الشريعة الإسلامية). وعدّت المملكة العربية السعودية سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي مرتكزاً وشرطاً أساسياً من أجل تحقيق الأمن والسلم الدوليين، وركيزة مهمة تكفل حماية حقوق الإنسان من أجل سيادة القانون والعدالة والمساواة في عالم متغير مترف بالتحديات في ظل المتغيرات المستمرة، وانطلاقاً من المسؤولية المشتركة للدول في مواجهة التحديات الداخلية والدولية. "دولة القانون" والمملكة العربية السعودية دولة سعى قادتها منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بما يضمن حقوق الإنسان، ويعزز الأمن والسلم، ويحقق الاستقرار على أراضيها. وهي دولة تعتز بدينها الإسلامي الذي كفل الحقوق، كما تعتز بسيادتها السياسية والقانونية التي حققتها وحصلت عليها ووثقتها بجهد قادتها ورجالها وأبنائها المخلصين. وكل من يقيم على أراضي المملكة العربية السعودية يضمن حقوقه كاملة غير منقوصة. والمملكة تحرص على حماية الحقوق منذ تأسيسها، فسعت لإرساء مبادئ سيادة القانون، وتطبيق مبادئ وقيم الشريعة الإسلامية التي تكفل للجميع حقوقهم، وتضمن للمجتمع أمنه وسلمه واستقراره، لذلك عملت على تثبيت هذا المنهج السليم في أنظمتها وقوانينها ولوائحها التي أصدرتها خلال تاريخها السياسي المديد. والنظام الأساسي للحكم الصادر في «1412ه» 1992م تضمن عدة مواد تبين سياسة المملكة في مجال حماية الحقوق، وتوضح الواجبات التي تكفل أمن وسلامة واستقرار المجتمع. وجميع أنظمة الدولة، والمادة «36» نصت على أن «توفر الدولة الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على أراضيها، ولا يجوز تقييد تصرفات أحد، أو توقيفه، أو حبسه، إلا بموجب أحكام النظام». والمادة «39» نصت على أن «تلتزم وسائل الإعلام والنشر وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة، وبأنظمة الدولة، وتسهم في تثقيف الأمة ودعم وحدتها، ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة، أو الانقسام، أو يمس بأمن الدولة وعلاقاتها العامة، أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه، وتبين الأنظمة كيفية ذلك». والمادة «43» نصت على أن «مجلس الملك ومجلس ولي العهد، مفتوحان لكل مواطن، ولكل من له شكوى أو مظلمة، ومن حق كل فرد مخاطبة السلطات العامة فيما يعرض له من الشؤون». والمادة «48» نصت على أن «تطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية، وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة، وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة». وتأكيداً على أهمية تطبيق القانون في بلادنا فإننا نستذكر ما قاله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله ورعاه - في إحدى المناسبات قال: إذا رأيتم أو رأى إخواني المواطنون وهم يسمعونني الآن أي شيء فيه مصلحة لدينكم قبل كل شيء ولبلادكم بلاد الحرمين الشريفين الذين نحن كلنا خدام لها، فأهلاً وسهلاً بكم، وأكرر أبوابنا مفتوحة وهواتفنا مفتوحة وآذاننا صاغية لكل مواطن، و(رحم الله من أهدى إلي عيوبي). "تطور ملموس" والمتأمل في الشأن التشريعي في المملكة العربية السعودية يدرك سرعة التطور والشمولية في الأطر التنظيمية، فالعمل التشريعي في المملكة العربية السعودية شهد ولا يزال يشهد تحديثاً واستحداثاً يعكس تطوراً ملموساً أسهم ويسهم في ترسيخ مبدأ العدالة وصيانة الحقوق واستقرارها، وفق أفضل الممارسات الدولية المعمول بها في العمل التشريعي مراعياً المبادئ القانونية واستقلال القضاء، لما نصت عليه أحكام المادة (46) من النظام الأساسي للحكم: (القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية). ويأتي اهتمام المملكة بتطوير التشريعات والأنظمة بما يواكب متطلبات الحياة والتطورات المعاصرة، مع الأخذ بالمبادئ القانونية والمستجدات في المجال القانوني، وبما يراعي التزامات المملكة في المواثيق والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها، وبما يحقق مستهدفات ورؤية المملكة 2030 التي جاءت لتصنع حاضراً ومستقبلاً مشرقاً للوطن بسواعد أبنائه وبناته. واهتمام بلادنا باستحداث وتعديل الأنظمة وإعداد التشريعات المستجدة، له امتداده التاريخي، إذ يأتي هذا التطور التشريعي ضمن مسيرة حافلة بالتأسيس والبناء النظامي، انطلقت منذ عهد المؤسس المغفور له الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- لإعداد تشريعات تواكب المستجدات في مختلف المجالات إلى هذا العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظهما الله ورعاهما-، فقد شهدت المنظومة التشريعية في هذا العهد المبارك نقلة نوعية أصبحت محط إشادة وتقدير عالمي الأمر الذي يؤكد اهتمام وعناية القيادة الرشيدة - رعاها الله - ودعمها الدائم لعملية تطوير المنظومة التشريعية بالمملكة؛ بما يسهم في رفع جودة الحياة وتعزيز أداء مختلف القطاعات في الدولة. "سيادة القانون" ولم يقتصر اهتمام المملكة بأهمية تطبيق القانون عالمياً واحترام سيادته فحسب. سعت وبكل مؤسساتها لتطبيق سيادة القانون داخلياً، ومن أهم القرارات التي ترسخ لسيادة القانون واستدامة قيمة وتحقيق العدل بالمساواة بين الناس أمام القانون في بلادنا، ما وعد به سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - وحرصه على تأطيرها وتطبيقها بشمولية وموضوعية متناهية، لأن سموه يؤمن أن بها يتحقق الاستقرار المجتمعي والازدهار التنموي ويعود النفع بها على مناحٍ عديدة، وتتعزز بها قوة الوطن على الصعد والمستويات كافة. فمنذ تسلم سموه منصب ولاية العهد، والوطن ورشة عمل دؤوبة تتوالى وتتنوع من خلالها القرارات المفصلية والمبادرات الجريئة التي تدعم تحقيق التنمية الشاملة ومحاور استدامتها؛ ومن تلك القرارات المفصلية التي تحكي بذاتها عن ترسيخ قيم سيادة القانون وعدم المساومة على معايير المساواة والعدالة وشمولية وموضوعية مكافحة الفساد، ويوماً بعد يوم تتأكد رؤية سموه عندما قال: إنه لن ينجو أحد من الفاسدين بالنظر إلى مسيرة المكافحة ومعاييرها بصرف النظر عن الألقاب أو المناصب، بل وعدم التردد في الاعتراف بوجود الفساد في وزارات سيادية، وفي ذلك ضمانة من أنه لا أحد فوق القانون؛ أيضاً ومن القرارات الجريئة التي ستظل محفورة في ذاكرة تاريخ الوطن ولن يغيب الاحتفاء بصداها عند الحديث عن حكمة سموه ورؤيته الثاقبة والشاملة لضمان تحقيق مقومات العدل ومعايير العدالة الناجزة ورفع كفاءة أداء المؤسسة القضائية بشفافية ونزاهة، وتطوير منظومة التشريعات المتخصصة والتي بحق تعد خطوة لتأكيد أصالة وريادة وسماحة شريعتنا الإسلامية وشمولية وعالمية مبادئها، ما سيكون لها الأثر الكبير في أن يكون الوطن واحة مثلى ومتقدمة في تعزيز تطبيق القوانين وسيادتها وترسيخ قيم العدالة ومعاييرها. "مواجهة التحديات" والمملكة منذ تأسيسها تنتهج سياسة خارجية واضحة المعالم تتسم بالاعتدال والدبلوماسية والشفافية في الخطوات السياسية، ترتكز على الالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية والقانون الدولي والتفاعل المستمر والبنّاء مع المجتمع الدولي من خلال المنظمات الدولية أو الإقليمية. وتدعم المملكة جهود الأممالمتحدة لأجل سيادة القانون وتحقيق التنمية المستدامة في ظل مبادئ ميثاقها الدولي، وتفي المملكة بكافة التزاماتها لمنظومة الأممالمتحدة ووكالاتها المتخصصة من خلال تقديمها للدعم المعنوي والسياسي والمادي لمختلف نشاطات أجهزتها، وذلك إيماناً في قدرتها على تحقيق الغايات المرجوة. كما أن المملكة العربية السعودية سبّاقة في تأسيسها للمنظمات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي مع مراعاة مبدأ سيادة الدول وقوانينها المحلية. ختاماً، فالمملكة تستشعر أهمية تضافر جهود المجتمع الدولي، وضرورة التعاون الدولي المبني على المسؤولية المشتركة، وإبداء التزام أقوى بنظام عالمي يعمل وفقاً للقانون الدولي من أجل مواجهة التحديات التي أثرت سلباً على هياكل سيادة القانون الوطنية والدولية، كالتهديدات غير التقليدية العابرة للحدود كالإرهاب والأنشطة غير القانونية في الفضاء الإلكتروني، حيث تحتم هذه المسألة ضرورة معالجتها بمنظور القانون والميثاق الدولي، ما يعني ترجمة سيادة القانون إلى تدابير عملية تعمل على إرساء الأمن وحماية البشرية، مع أهمية الاسترشاد بمقاصد ومبادئ الميثاق الدولي في مساعي الدول في تطبيق القانون على الصعيد الدولي. والمملكة العربية السعودية تؤكد دوماً على إرساء قواعد قانون راسخة تنبثق منه تدابير قوية قائمة على الحوكمة ومكافحة الفساد والمساءلة المطبقة على جميع الأشخاص والكيانات. كما أن المملكة تدعم سيادة القانون الذي يُعزِّز من احترام القانون الدولي الإنساني من أجل تحقيق الأفضل للإنسانية جمعاء، لأنّ تحقيق سيادة القانون لا يتأتى إلا من خلال المشاركة الفعالة المتعددة الأطراف. والمملكة تُثمّن الجهود التي تؤكد على سيادة القانون وضرورة التقيد بسيادة القانون وتطبيقه وطنياً ودولياً على حد سواء ما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار للمجتمعات. "الأحوال الشخصية" والمملكة تعمل باستمرار على استحداث وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق وتُرسّخ مبادئ العدالة والشفافية، حيث أقرت نظام الأحوال الشخصية الذي يأتي ترجمةً عملية للجهود التي يقودها ويشرف عليها سمو ولي العهد بشكل مباشر في استحداث وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق وتُرسّخ مبادئ العدالة والشفافية وتحقِّق التنمية الشاملة، وذلك ضمن منظومة الإصلاحات التشريعية التي تشهدها المملكة بإشراف وتوجيه خادم الحرمين الشريفين أيده الله، وبمتابعة مباشرة من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - في إطار حرص أكيد على رفع كفاءة الأنظمة، وتعزيز الشفافية، وتحسين جودة الحياة، وحماية حقوق الإنسان. حيث وافق مجلس الوزراء على نظام الأحوال الشخصية بعد استكمال الإجراءات النظامية لدراسته في مجلس الشورى وفقاً لما يقضي به نظامه، وبيّن حينها سمو ولي العهد - حفظه الله - أن مشروع نظام الأحوال الشخصية قد استمد من أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وروعي في إعداده أحدث التوجهات القانونية والممارسات القضائية الدولية الحديثة، ومواكبة مستجدات الواقع ومتغيراته، وأنه سيُسهم في الحفاظ على الأسرة واستقرارها باعتبارها المكون الأساسي للمجتمع، كما سيعمل على تحسين وضع الأسرة والطفل، وضبط السلطة التقديرية للقاضي للحد من تباين الأحكام القضائية في هذا الشأن. وأن استحداث نظام خاص بالأحوال الشخصية يعكس التزام القيادة بنهج التطوير والإصلاح أخذاً بأحدث التوجهات القانونية والممارسات القضائية الدولية الحديثة، وأن نظام الأحوال الشخصية يُشكل نقلة نوعية كبرى في جهود صون وحماية حقوق الإنسان واستقرار الأسرة وتمكين المرأة وتعزيز الحقوق. صدور نظام المعاملات المدنية يأتي انعكاساً لمتابعة مستمرة ومباشرة من صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - حفظه الله - تستهدف تطوير البيئة التشريعية بما يكفل رفع كفاءة الأنظمة وحماية الحقوق وتعزيز الشفافية ورفع كفاءة المرفق العدلي، وذلك وفق توجيهات خادم الحرمين الشريفين - أيده الله -. وجاء النظام شاملاً في معالجة جميع المشكلات التي كانت تعاني منها الأسرة والمرأة، ومنظماً لمسائل الأحوال الشخصية تنظيماً دقيقاً بكافة تفاصيلها.