إشارة إلى ما نشر في زاوية «كلمة الرياض» اليومية بتاريخ 15 أغسطس 2023م تحت عنوان (الوسطية والاعتدال) للكاتب الأستاذ خالد الربيش.. تحدث فيها عن مبادئ الاعتدال والوسطية والسلام والتسامح والرحمة التي جعلت من المملكة العربية السعودية دولة استثنائية في العالم تؤمن بهذا المنهج الإسلامي القويم منذ تأسيسها على يد الملك الصالح المؤسس عبد العزيز -طيب الله ثراه - والعمل على دعم هذه المبادئ الحضارية بكافة السبل المشروعة وتعميق قيم المواطنة المسؤولة وتعزيز الأمن الفكري من خلال منظومة فكرية وثقافية وخلقية تحافظ على الإرث القيمي الأصيل. ولا شك أن الحياة الاجتماعية والدينية والاقتصادية والتربوية والإيديولوجية والنفسية لا تصلح بدون منهج وسطي، فالاعتدالية في الأمور الحياتية مطلب شرعي، ومظهر حضاري، وهي تعني التركيز على القيم الأخلاقية التي عني بها الإسلام، والموازنة بين الثوابت الشرعية ومتغيرات العصر، وفهم التكاليف والأعمال فهماً متوازناً يضعها في مرتبتها الشرعية، كما أنها - أي الوسطية - تؤدي إلى أداء حقوق الله سبحانه، وحقوق الناس بما يجسّد مبدأ العدل والتكامل والانسجام والتعاون وروح الإخاء.. فلا تقصير في الواجب، ولا هدر لحق.. ولا ظلم ولا صراع ولا تناحر ولا إفراط ولا شذوذ ولا تناقض في السلوك والممارسات الاجتماعية بين الناس. ولقد أرشد القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (143)سورة البقرة، إلى ظاهرة التوازن في الأشياء والأعمال والممارسات القائمة على وعي وجداني وقوة العزيمة والتمسك بالحق والتزام العمل الصالح الذي هو سمة المجتمع المتحضر. والوسطية في البناء الاجتماعي الإسلامي لا تعني إلغاء التعددية في النشاط الاجتماعي، بل تعني التعايش ووزن الأشياء بالميزان الصحيح في مجموعها وحتى في السلوكيات الفردية لا تغيب الوسطية التي تمنع المبالغة في كل الأمور، وهذا المنهج القويم - ومن منظور علم الاجتماع الإسلامي - يقوم على مبادئ الاعتدال والانسجام والسماحة والرحمة والتروي والعدل والحكمة، ومجافاة التطرف والإقصائية والأفكار المنحرفة التي تخالف قواعد الضبط الاجتماعي والأخلاقي والديني، وهي أفضل طريق لإرساء دعائم الاستقرار والسلم الاجتماعي، وضبط التوازن الأخلاقي في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية. خاصة أن المنهج المحمدي (المتزن) كمفهوم وظيفي في التفكير والقيم والسلوك الإنساني في قالبه الحضاري، يبرز أو يتجلى دوره في حياة الفرد والأسرة، إنه الطريق المفضي إلى الكمال الإنساني والرقي البشري، وإلى أيضاً بناء المجتمع (تربوياً ودينياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ) من دون إفراط أو تفريط وفق معادلة الوسطية التي تشكل صمام أمان للمجتمع ضد أمراض التطرف في الدين أو التعصب في الأفكار وغيرها من الممارسات المناهضة لقواعد الضبط الديني والاجتماعي التي متى ما اتسعت دائرتها المظلمة في أي مجتمع وسقط عمود الاعتدالية يتحول هذا المجتمع - كيميائياً - إلى بيئة خصبة للأمراض الاجتماعية الخطيرة والمثالب الفكرية الفتاكة والصراعات النفسية المعقدة، وفي تاريخ الفكر الاجتماعي اعتبر مؤسس المدينة الفاضلة (أفلاطون) أن منهج الاعتدال والتروي والحصافة من القيم الأساسية العليا وثبتها على رأس الفضائل التربوية، ولذلك من الأهمية بمكان أن نؤسس ونعمق مفهوم (الوسطية) ومنطلقاتها الأخلاقية في رحاب مجتمعنا السعودي الفتي، وهذا الاتجاه القيمي في قالبه الحضاري لا يمكن أن يتحقق دون أن يكون هناك مبادرات تنويرية واعية من مؤسسات التنشئة الاجتماعية.. وهي (المؤسسات الدينية) من خلال المنابر الإعلامية أو خُطب الجمعة كذلك دور المؤسسات التعليمية في ترسيخ قيم الاتزان بتوفير الأساتذة والمعلمين المعتدلين «سلوكياً وفكرياً وعقائدياً» وإتاحة الفرصة للطلاب للتعبير عما يجول في نفوسهم ووجدانهم والإجابة عن استفساراتهم في المسائل الفقهية والدينية وإبراز الوجه الحقيقي للإسلام الذي يتسم بالسماحة والاعتدال جناحا الوسطية، باستخدام أسلوب التربية الحوارية والفكر الاعتدالي في معالجة آفة التطرف والتعصب ومثالبه، كما أن المؤسسات الإعلامية التقليدية والرقمية ومن منطلق نظرية الغرس الثقافي الإعلامية لها دور مفصلي في رفع سقف ( الوعي ) المجتمعي ونشر ثقافة الوسيطة والاتزان ونبذ لوثة التطرف والإقصاء والسلوك الضلالي عبر رسالتها المهنية السامية وتوجّهاتها المؤثرة في العقل والخيال والعاطفة والسلوك والقيم، والأهم أن يقوم مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بإطلاق (المزيد) من البرامج التنويرية والندوات الحوارية والأنشطة الثقافية التوعوية التي تعزز من قيم التعايش والوسطية والتسامح، ونشر ثقافة الحوار الحضاري بين الأطياف الفكرية في مجتمعنا السعودي الفتي. * باحث اجتماعي