يأتي فنّ المسرح في كل السياقات بوصفه الفن الشامل، ليس لأنه ملتقى لمجموعة من الفنون والحقول فحسب، بل لأنه أيضًا كلما ازدهر في أحد المجتمعات ازدهرت معه العديد من الآداب والفنون، وظهرت العديد من مظاهر التثاقف والرقي الاجتماعي، وانتعشت معه اقتصادات الإبداع والثقافة، واستطاع أن يشكل قوة ناعمة تعبر الحدود وتعكس حضارة وثقافة المجتمع. في السعودية الآن، نعيش قفزة تاريخيّة مذهلة، وتجربة ثقافية فريدة، أوجدها قادة بلادنا، وأنتجتها رؤية المملكة 2030، وها نحن كلّنا نلتفّ حولها بكل إيمان وثقة ونعدها طريقنا الواضحة تجاه المجد والمستقبل الزاهر الذي يليق ببلادنا وبنا وبهذه الحضارات العظيمة التي احتوتها أرضنا وشيّدها أسلافنا منذ آلاف السنين وحتى الأمس القريب. وضمن هذه النهضة الثقافية الكبرى، يأتي فنّ المسرح كواحد من اتجاهات الثقافة التي انتبهت لها الرؤية، وجعلته وزارة الثقافة حجر زاوية في استراتيجيتها؛ فخصصت له هيئة المسرح والفنون الأدائية، التي بدأت في النهوض بالصناعة المسرحية في كل اتجاه، فاستطاعت -على سبيل المثال لا الحصر- مع وزارة التعليم أن تعيده للمدارس في مشروع وطني رائد، وأسست له الحاضنة الأكاديمية التي ستُخرّج كوادره الوطنية من المحترفين والمحترفات، ونظّمت قطاعاته، وبادرت في دعم إنتاجه، ولا تزال مشروعاتها الاستراتيجية تظهر شيئاً فشيئاً في رحلتها نحو التنمية الشاملة لقطاع المسرح وفنون الأداء بالمملكة. وضمن هذه النهضة المسرحية التي تبدأ في بلادنا وتُبشّر بغدٍ مسرحيّ رفيع، نفخر هذه الأيام بالإعداد ل"مهرجان الرياض للمسرح"، الذي يحتفي بالمسرحيين السعوديين وإبداعاتهم الجديدة، ضمن برنامج ضخم يتسع في منتجاته لخارج أروقة المهرجان ومسارحه وزمنه، ويصل للعديد من مناطق المملكة ومحافظاتها، دون أن يهمل الرواد الذين قدموا الكثير للمسرح السعودي في القرن الماضي. إن الحراك المسرحي الذي يشهده وطننا عموماً، ومهرجان الرياض للمسرح على وجه الخصوص، يجعلنا أمام بشائر تستحق الانتباه والفخر، وهي بشائر جيلٍ مسرحي مبدع من شبابنا وبناتنا الذين يقبلون على المسرح بشغف كبير، ويبادرون في ابتكار تجاربهم الفنية، ويصنعون أملاً حقيقياً لازدهارٍ مسرحي سعودي يوازي هذه النهضة ويعد بنجاح استراتيجياتها الرامية لصناعة مسرحية راقية تزدهر في مناحي بلادنا، تعكس ثقافتنا وحضارتنا، وتشارك في النهضة الشمولية التي ترتفع فيها جودة الحياة، ويرتقي فيها الاقتصاد عبر إبداع وفاعلية المجتمع. لطالما كان المسرح السعودي حاضراً، لكنه اليوم يمضي في خطط تنموية لم نشهد مثلها يوماً، ولم نشاهد مثلها في تجارب دول المنطقة. وسوف يصنع مسرحنا -بحول الله- تجربة محلية وعالمية تحمل رسالة المسرح الخالدة في السلام والمحبة والثقافة، وتنقل معها واقعنا العظيم، وميراثنا الحضاري الضخم الذي كان في أحد تجلياته نوراً للعالم أجمع. *رئيس مهرجان الرياض للمسرح