قبل سنوات قليلة تعرضت لوعكة صحية، وبعد الاستشارة الطبية أبلغني الطبيب بضرورة إجراء عملية جراحية للعلاج وعلى وجه السرعة حتى لا يتفاقم الوضع. على إثر ذلك، طلبت أن يمهلني الطبيب أسبوعاً لأتمكن من ترتيب أموري. وفي ذلك الأسبوع بذلت جهدي لإنهاء عدد من الأمور العالقة في المنزل، وكذلك التنسيق مع من سيغطي مكاني أثناء غيابي عن العمل، فغالباً لن أتمكن من الخروج أو حتى الحركة بسهولة خلال أيام التعافي. الأمر الذي لن أنساه في تلك الفترة هو انتباهي المفاجئ لكمّ وعدد المفاتيح التي كنت أحملها في جيبي بشكل دائم، إذ قارب عددها من عشرين مفتاحاً! منها مفاتيح منزلي، ومكتبي في العمل، وبيت العائلة، والسيارة، ومخزن البناية، وصندوق البريد، وغيرها. وقتها تأملت منظر المفاتيح، وتعجّبت كيف أني أحملُها معي كل يوم دون انتباه لِوزنها وحجمها. وفي اليوم الموعود، تركت المفاتيح كلها في البيت قبل المغادرة إلى المستشفى، وحينها شعرت بالفرق والخفة في الحركة عندما وضعت هذا الحمل عن كاهلي. وعقب الجراحة، انتهزت فترة الإجازة المَرضيّة لأعيد التفكير في طريقة حياتي اليومية، ورأيت حالي وأنا أحمل المفاتيح الكثيرة يوميا -دون وعي لثقلها- كحال من استغرقته الأعمال والمشاغل دون أن ينتبه للضغوطات والمتاعب التي تستهلك من الوقت والجهد الشيء الكثير، حتى يصل إلى الدرجة التي تسوء فيها صحته. وتذكرت المقولة الشهيرة أن الإنسان مصيره الموت وحياته ستنتهي، لكن الأعمال والمشاغل في الدنيا أبدا لن تنتهي! وعليه، لا ينبغي أن ينسى الواحد منا نفسه في كثرة مسئولياته، وعليه أن يتذكر كما أن للناس ولبيته ولعمله عليه حق، فلبدنه ولنفسه عليه حق أيضًا. وأصبح هذا الموقف نقطة تغيير، قررت فيها تخصيص وقت لنفسي وسط جدول يومي المزدحم بالمشاغل، أمضيه في الهوايات أو في سفر قصير المدة، أو حتى بمجرد الاسترخاء دون عمل شيء. وشعرت بعدها بتحسن في نفسيّتي، وبانفتاح أكبر للإنجاز والعمل. وأخذت على نفسي عهداً أن أصونها وأهتم بها، وكذلك ألا أهملها كما فعلت في الفترة الماضية التي كنت فيها أحمل المفاتيح وأغرق مع المشاغل في زحام الحياة.