«الأمن البيئي»: ضبط 9 مواطنين لنقلهم حطباً محلياً بالقويعية    العيدابي.. عاصمة الشهد التي تجذب مربي النحل في فصل الشتاء    الشرع: السعودية حريصة على دعم إرادة الشعب السوري ووحدة وسلامة أراضيه    إعلاميون ل عكاظ: الهجن السعودية تخطف الأضواء عالمياً    «أحلام»: تأجيل الجزء الثاني من «العناق الأخير»    وزارة الشؤون الإسلامية تختتم معرض القرآن الكريم    الفريدي وأبو الحسن يَتلقون التعَازي في إبراهيم    مركز «911» يتلقى (2.606.704) اتصالًا خلال شهر يناير    تحت رعاية خادم الحرمين.. جائزة الأميرة صيتة تكرّم الفائزين في 16 فبراير    السلطان: إطلاق "المجموعة الثانية" من مشروعات "برنامج تطوير المحاور" يعزّز من انسيابية الحركة على طرق الرياض    زيارة الشرع.. التأكيد على الشراكة الاستراتيجية بين السعودية وسوريا الجديدة    وزير الخارجية يستقبل وزير خارجية الدنمارك    اختتام بطولة الشطرنج بالظهران وسط حضور ومشاركة من مختلف الدول    محافظ حفر الباطن يدشن مؤتمر حفر الباطن الدولي الصحة الريفية    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء لجنة السلامة المرورية بالمنطقة    رحيل محمد بن فهد.. إنسان ورجل دولة باقٍ بذاكرة الزمن    المملكة المتحدة: سعي ترمب لفرض رسوم جمركية يهدد ب "تأثير ضار للغاية" على الاقتصاد العالمي    رئيس اتحاد التايكوندو: تطوير التحكيم أولوية لتعزيز مكانة اللعبة محليًا ودوليًا"    أمير جازان رعى حفل انطلاق الفعاليات المصاحبة للمعرض الدولي للبن السعودي 2025م    3 مسببات لحرائق التماس الكهرباء    أمير تبوك يواسي أسرتي الطويان والصالح    البريطاني "بيدكوك" يتوّج بلقب طواف العلا 2025    زيلينسكي يفتح طريق التفاوض مع روسيا    تجمع جازان الصحي يتميز في مبادرة المواساة ويحقق جائزة وزير الصحة في الرعاية الصحية الحديثة    مختص : متلازمة الرجل اللطيف عندما تصبح اللطافة عبئًا    بعد إنجازه في دكار... يزيد الراجحي يكتب التاريخ بفوزه الثامن في حائل    مدير تعليم الطائف يتابع تطبيق الزي الوطني السعودي في المدارس الثانوية    أحمد الشرع يصل السعودية.. اليوم    7 مستشفيات سعودية ضمن قائمة "براند فاينانس"    لماذا تُعد الزيارات الدورية للطبيب خلال الحمل ضرورية لصحة الأم والجنين؟    رياح نشطة وأمطار متفرقة على بعض المناطق    استشهاد 5 فلسطينيين وتدمير أكثر من 100 منزل في جنين    «سلمان للإغاثة» يدشن مشروع توزيع مواد إيوائية في باكستان    إيماموف يحسم مواجهته مع أديسانيا بالضربة القاضية    إعلان المرشحين لجائزة الجمهور لأفضل محتوى رقمي    وفاة صاحبة السمو الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    "معرض المنتجات" بالكويت يناقش التحديات التصديرية    موكب الشمس والصمود    «بينالي الفنون».. سلسلة غنية تبرز العطاء الفني للحضارة الإسلامية    مهرجان فنون العلا يحتفي بالإرث الغني للخط العربي    إنفاذًا لتوجيه سمو ولي العهد.. إلزام طلاب المدارس الثانوية بالزي الوطني    ملاجئ آمنة للرجال ضحايا العنف المنزلي    ثغرة تعيد صور WhatsApp المحذوفة    الأسرة في القرآن    ذكور وإناث مكة الأكثر طلبا لزيارة الأبناء    "موانئ" تحصد "جائزة المنصة اللوجستية"    الزي المدرسي.. ربط الأجيال بالأصالة    الأحساء صديقة للطفولة يدعم جمعية درر    خيط تنظيف الأسنان يحمي القلب    تفسير الأحلام والمبشرات    نصيحة مجانية للفاسدين    أمير حائل ونائبه يعزّيان أسرة الشعيفان بوفاة والدهم    رحيل عالمة مختصة بالمخطوطات العربية    غالب كتبي والأهلي    حزين من الشتا    رحل أمير الخير والأخلاق    ممثل رئيس الإمارات يقدم واجب العزاء في وفاة الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز    أمير الرياض يعزّي في وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل سعود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وكانت آخر مرة أحمل فيها (النباطة)!!
نشر في الجزيرة يوم 18 - 06 - 2004

في بداية الطفرة كنت في ذلك الوقت طفلاً رقيقاً وناعماً - ترى أمزح لا تصدقون - كانت الحوطة في ذلك الوقت قرية صغيرة، وكحال أي طفل ناعم ورقيق كنت أرى برعب وألم ما كان يفعله الشباب حيث كانوا يعمدون إلي كي أذرعهم بالنار، اعتقاداً منهم أن هذا يجعلهم قادرين على صيد العصافير والحمام بدقة متناهية وبمنتهى السهولة، ومما لا يزال عالقاً في ذهني ويسبب لي الأحلام والكوابيس لحد الآن، إن الأطفال الذين كانوا في سني كانوا يحاكون الشباب في فعلهم هذا، فكان الواحد منهم يجمع رؤوس أعواد الثقاب (البارود) ثم يضع قليلاً منها على ذراعه اليمنى، ثم يشعل عود ثقاب آخر في البارود المجتمع على ذراعه، ثم عليه أن يكتم الألم الناتج عن اشتعال البارود في الجزء الذي حدده من ذراعه، حتى يكون صياداً ماهراً، حيث كان الاعتقاد الراسخ بين أبناء جيلي، أن الشخص الذي يتحمل ذلك الألم يكون ذا مهارة كبيرة في الصيد.
وقد اتهمني الأطفال الذين في سني بالجبن لرفضي الشديد كي ذراعي، وقد كانوا صادقين إلا أنني أردت أن أبعد هذه التهمة عن نفسي، فضحكت منهم وأخبرتهم أنني سأكون صياداً ماهراً دون حاجة لكي نفسي بالنار، وإن كنت في قرارة نفسي أعترف أنني لم أخلق أبداً لأكون صياداً، ولكن كان لابد لي من أن أثبت العكس حتى لا أكون مضحكة لأطفال الحارة، فعقدت العزم على أن أظهر أمامهم بمظهر الصياد الماهر، فكنت أحرص على أن لا أسير في طريق إلا والنباطة (المشعاب) بارزة في جيبي، وكنت أحرص كذلك على أن أملأ جيبي بالحصى، حتى وإن كان الثمن عقاب والدتي المستمر لي، بسبب اتساخ ملابسي، بفعل التراب العالق بالحصى، بل وكنت أحرص على أن يراني الأطفال وأنا أنتقي الحصى، وكان هذا لا يكفي فكان لابد لي أن أصطاد شيئاً ليكون دليلاً على مقدرتي على الصيد، وفيما كنت أتطلع إلى النهر الذي يطل على بيتنا؟!! وأفكر في حل لهذه المعضلة، تذكرت أن في بيتنا غرفة يدخلها العصافير، فكنت أصحو على زقزقة العصافير لأغلق بابها عليهم بين فينة وأخرى، فأصطادهم بيدي العاريتين ثم أعمد إلى ذبحهم بدم بارد يتنافى مع رقتي التي حدثتكم عنها، وبجرأة متناهية كنت أنسب ذلك لبراعتي في الصيد بالنباطة، وكنت أطلب من والدتي حفظها الله أن تطبخ هذه العصافير، ثم أدعو أصدقائي لمنزلنا العامر، لكي يتلذذوا بطعمها مع المرقة أو الكبسة، ولكي يكون معي من الوقت ما يكفي لاستعرض مهارتي في الصيد دون اعتراض منهم، فالبيت بيتي وبإمكاني أن أطرد أي واحد منهم يعترض على صحة كلامي، وبإمكاني أن لا أدعوه في المرة القادمة، ولأن قصص مهارتي زادت وعدد المدعوين زاد، فكان لابد من أن أزيد من حصيلة صيدي، فأصبحت أختلس عدم تواجد أحد في مخزن منزلنا وبالأخص والدتي، وأسطو على كيسي الرز والجريش، لكي أضع ما سطوت عليه في الغرفة ليزداد عدد العصافير، ومن ثم لكي أفخر أكثر بقدرتي على الصيد.
وقد مللت من سرد بطولاتي في صيد العصافير، فقررت ان أوسع نشاط صيدي، فهداني تفكيري الطفولي إلى حمام أحد أقربائي الكبار، فكنت أدخل إلى حمامه في غيابه، فأنتقي الأفضل والأسمن منهم لأصطاده، مرة بيدي ومرة بالنباطة حسب ما يسمح به الوقت لي، إلى أن اصطادني وأنا أصطاد حمامه، فتعرضت لعلقة ساخنة لا أزال أحس بحرارتها إلى الآن.
ولأن دوام الحال من المحال فقد انكشفت أمام أطفال الحارة كلهم، عندما أصابني الغرور من مدحهم الزائد لي، فصدقت أنني أصبحت صياداً ماهراً، حيث أردت أن يروا مدى مقدرتي على الصيد، حيث شاهدت فرخ عصفور على نخلة قصيرة جداً لا يتجاوز ارتفاعها ثلاثة أمتار، حتى أنني كنت أستطيع أن أصعد النخلة وأمسك به، إلا أنني فضلت أن اصطاده بالنباطة التي كنت أحملها معي على الدوام، وكان جيبي مليئ بالحصى، فطلبت منهم بإصرار أن يتركوه لي، وببجاحة متناهية ونظرة متعالية أخبرتهم أنني سأصطاده من أول مرة، وستكون الضربة بين عينيه، فصوبت (نباطتي) نحوه إلا أن الحصاة الأولى لم تصبه، وكذلك الثانية والثالثة والعاشرة، حتى كاد أن ينفد كل ما في جيبي من حصى،والأطفال يتضاحكون وأنا أكاد أن أبكي من القهر، خاصة عندما رأيت أحدهم وقد استلقى على ظهره من كثرة ما ضحك، فإذا بأحدهم رحمة بي أو سخرية مني لا أدري، يصوب نباطته نحو فرخ العصفور المسكين، فإذا به يطيح به من فوق النخلة من أول مرة، فكانت تلك آخر مرة أحمل فيها النباطة!!
علي بن زيد بن علي القرون / حوطة بني تميم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.