إنّه لمن الطبيعيّ أن تنمو وتقوى وتزدهر العلاقة، وتزداد صلابة في حال الرخاء والتوافق والتناغم بين طرفيها، ولكن عندما تتغيّر الحال وتتبدّل الظروف -وهذه سنّة الحياة- فإمّا أن يتمسّك طرفا العلاقة بها وبالأخلاق والقيم التي كانت الأساس لها -وهذا يدلّ على النضج بأعمق معانيه-، وإمّا أن تتكشف الوجوه وينعدم الوفاء وتنتهي؛ لأنّ أحد أطراف العلاقة لا يريد الاستمرار إلّا في العلاقات التي يكون فيها الرابح الأكبر، فإذا خالطها بعض النقص وعدم الاستقرار وبعض التغيرات ولّى وانسحب دون سبب مقنع، وبدون عذر مقبول. إنّها يا سادة الأنانيّة، وسوء النيّة، وفساد الأخلاق، فبدلاً أن يحافظ على الود والعِشرة، ويكون كالنافذة التي يهبّ منها التفاؤل لتقول: إنّ الأمور ستكون أفضل مما كانت عليه تراه ينسحب، وكما قال الشافعيّ -رحمه الله-: وَلا خَيرَ في وِدِّ اِمرِئٍ مُتَلَّون إِذا الريحُ مالَت مالَ حَيثُ تَميلُ آلاف القصص والمواقف عنوانها: «معك على الحلوة والمرّة»، مقولة تعبّر عن جمال الأوفياء وجمال الوفاء، وتتوافق هذه المقولة مع مقولة شكسبير: «الوفاء الحقيقي هو شخص معك بكلّ الظروف، وليس حسب الظروف»، ومن المعلوم أنّ مواقفك الطيّبة خاصّة في حال الشدّة هي أثرك الباقي وهي أخلاقك المحفورة في قلوب الناس، إنها الضمير الحيّ، والصورة التي ترسمها عن نفسك، وإنّ القول الفصل هو الذي يصدر عن أفواه الأفعال قبل الأقوال، وفي الختام متصنّع الودّ تكشفه الشدائد، والرسول صلى الله عليه وسلّم قال: «حُسن العهدِ من الإيمان».