«الصداقة».. بحر من الصفاء والألفة والحب والاحترام، الذي يكون رصيده الوفاء والإخلاص، عبر استمرار العلاقة لفترة طويلة، وعبر مواقف يشهد لها الصديق بأن الطرف الآخر لن يتخلى عنه وهو يواجه ظروفاً صعبة، أو لحظات أليمة، أو مساندته في تجاوز «مطبات» كادت أن تعصف بآماله، إلاّ أنه -مع الأسف- بدأ يطفو على السطح علاقات غريبة، عبر استخدام البعض لُغة يُغلفها الحُب والاحترام، لكن الحقيقة هي عكس ذلك، هؤلاء لا هم لهم إلاّ تحقيق مصالحهم، سواء كانت مادية، أو معنوية، أو حتى من خلال الوصول إلى هدف معين وغير واضح، وهنا تحدث الصدمة، أين ذلك الشخص القريب منّا؟، أين كلامه المعسول؟، أين وفاؤه الذي أكده في أكثر من مرة؟، لتأتي الإجابة المؤلمة: «ابحثوا عنه، فقد حقق هدفه وغادر إلى غير رجعة». حيل وخداع وقال عبدالله بن عبدالمحسن المشعل -مختص اجتماعي-: يقوم هؤلاء الناس بخداع الآخرين لتحقيق غايات خاصة، وللوصول إلى أهدافهم، من خلال التباكي واظهار المسكنة والشفقة، أو عبر النصح وإظهار المودة الخالصة والخدمة الفائقة للطرف الآخر، مضيفاً أن هؤلاء يلمعون أنفسهم بالشهامة والمعرفة وحب الإخوان، وهم يظهرون خلاف ما يبطنون من نوايا، فإذا ما تمكنوا من ذلك بدؤوا في الحيل والخداع حتى يحصلوا على ما يريدون الحصول عليه، مبيناً أنه إذا تحققت غاياتهم ماطلوا أو اختفوا، وأحياناً ينكرون ما فعلوا، مشيراً إلى أن من نتائج ذلك غياب الثقة الاجتماعية بين الناس، والأمثلة على ذلك كثيرة، ولعل أكثرها في القضايا المادية، حيث إن هناك من يحصل على الأموال بكل يسر وسهولة، فتجدهم يتقربون باسم الحب أو تقديم خدمات لهم وكما قال الشاعر: ولا خير في ود امرئ متلون إذا الريح مالت مال حيث تميل وأضاف أنه ذم الله سبحانه وتعالى المخادعين بقوله سبحانه: «يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ»، ذاكراً أن ذلك ناتج عن خسة ومرض نفسي يعتقد أصحابه أنهم أذكى من الآخرين، وأكثر قدرة على التفنن في التلاعب بمشاعر من تعاملوا معهم، وليتحصلوا على مطالبهم في أقصر وقت دون عناء، لكن سرعان ما ينكشفوا ويسقطوا من أعين الناس؛ لأن المخادع مهما حاول أن يختفي حول قناع زائف يكشفه حبل الخداع قصير. قناع مزيف وأوضح عبدالله بن جمعة الكليب -كاتب- أن بعض الأشخاص يقيسون علاقتهم بالآخرين بمعيار الاستفادة والربح والخسارة، وهم ما يطلق عليهم أصحاب المصلحة، فإذا تيقنوا أن كفة الميزان مالت لصالحهم استمروا في علاقتهم، بل تراهم أفضل الأصدقاء إخلاصاً وأحسنهم أخلاقاً، لا بسبب ما تمليه أخلاقهم، بل بسبب ما يستفيدون من مصلحة عبر هذه الصداقة، مضيفاً أن هؤلاء يلبسون قناعاً مزيفاً ظاهره المودة والأخوة، وباطنه حب الذات والبحث عن المصلحة، وما أسرع ما يختفون عندما يتحقق ما يبتغون، مبيناً أنهم يرون الصداقة ليست سوى ماذا سأستفيد منك؟، ويتخذون شعار لا توجد صداقات دائمة بل مصالح دائمة، وهذا النوع من الصداقة -مع الأسف- يستمر باستمرار المصلحة وينتهي بنهايتها، وكأنها سلعة تجارية لها تاريخ صنع وتاريخ نهاية، مُشدداً على أنه علينا الحذر من أصحاب المصالح؛ لأنهم أشد خطرًا من العدو وقد يبيع أسرارك لأقرب شخص يرى مصلحته معك. يقول الشافعي إِذَا المَرْءُ لاَ يَرْعَاكَ إِلاَ تَكَلُّفاً فَدَعْهُ وَلاَ تُكْثِرَْ علَيْهِ التَّأَسُّفَا ميثاق تآلف وأكد متعب الكليب -كاتب- على أن الصداقة ميثاق تآلف ومطلب من مطالب الحياة وسمة رائدة فيها، لا غنى عنها، وقد تختلف ظروف الحياة بين محطات عمرية وزمنية ورفاق الحارة والمراحل التعليمية والوظيفية وجميعها يتكون فيها صحبة وصداقات متينة، وقد تكون عابرة بقدر المرحلة التي تجمعهم، ومنها ما تدوم طويلاً بقوة اللحمة الراسخة وبصفاء القلوب وبالتواصل الدائم والوصال والتعاون والوفاء الذي لا ينقطع ولا يتخلخل عبر الأيام والسنين، مبيناً أن البعض الآخر قد يبتعد عن بناء علاقة الصداقة بسبب الهاجس والخوف من المجهول، وربما قلة الثقة في الآخرين بسبب ما شوهته بعض المواقف بصدماتها المؤلمة، أو من بعض التراكمات والظروف الحياتية أو الهروب من الإرتباطات، مضيفاً أن صداقة المصلحة قد تؤخذ ضمن نطاق الظروف الاجتماعية وتبادل المصالح المشتركة، وقد تدوم أو لا تدوم، ذاكراً أن الحياة بطبيعتها تتطلب تكوين الصداقة والتحلى بها، والتي تكون متفاوتة بين شخص وآخر وبدرجات مختلفة بين صداقة متينة عميقة بدرجة عالية وبين متوسطة وعادية، وقد ترتفع كما يعرف بالأخوة، وقد تبقى بصفة الزمالة حسب طبيعة الشخص وتفكيره، لافتاً إلى أن الصداقة الحقيقية بحر من الصفاء والألفة والحب والاحترام، والذي يكون رصيده الوفاء والإخلاص حتى وإن طال فيه بُعد اللقاء والوصال. أسوأ العلاقات وتحدث عبدالله بن محمد الناصر -كاتب- قائلاً: إن صداقة المصالح أسوأ العلاقات بين الأشخاص والأصدقاء، وربما الأقارب؛ لأنها تنطوي على خداع الشخص الآخر، حيث يبدأ الشخص بنسج هذه الصداقة بحذر ودهاء وربما أضاف إليها المكر والخداع وكذلك التودد والسؤال عن الشخص والثناء عليه في المناسبات في حضوره وغيابه، أيضاً قد يصاحبه في تنقلاته ليطمئِن المستهدف أن علاقته هذه تطورت بفعل كرمه وتضحياته لأجله، ولربما أثنى عليه حتى في غيابه وأجزل عليه من الشكر والمديح، وقد يضحي بالقليل من ماله ووقته لأنه في النهاية يعرف كم مقدار ما قد يستحوذ عليه من الطرف الآخر، سواء كانت مادية أو اجتماعية، مضيفاً أنه تعتبر هذه العلاقة خادعة ويترتب عليها من قطع للعلاقة والصداقة؛ بسبب أنانية الطرف الآخر، كعدم عودة العلاقة كما كانت قبل المصلحة، أو لربما تتطور وتتحول إلى عداوة شخصية، ذاكراً أن من يسلك طريق المصلحة سينكشف أمام المجتمع، وسوف يأخذ الكل الحذر من التعامل مع هكذا أشخاص، لافتاً إلى أنه علاقات المصلحة تكون مؤلمة للطرفين؛ لأن المخادع كشف عن وجهه الحقيقي للجميع، والآخر خُذل بعد أن كان يعتقد أنها علاقة ود وصحبة ومحبة وأخوة. قلوب مريضة وأوضح جاسم العبود -كاتب- أن الصديق الحقيقي درة والماسة ثمينة يندر أن يقتنيها أي شخص في زمن تلاشت فيه القيم والمبادئ الإنسانية والخصال الحميدة، فأصبح لا هم إلاّ تحقيق المصالح الذاتية ولو على حساب إذلال النفس التي كرمها الله، مضيفاً أننا نعيش زمن أصدقاء المصالح الذاتية أو ما يسميهم البعض بالطفيلين، بشر تعروا من معاني الإنسانية وخلف أقنعة الزيف انطلقوا نحو أهدافهم ومنافعهم، مضيفاً أن حبال صداقتهم مربوط بمصالحهم الذاتية، متى ما نالوا تلك المصالح ذابوا من حياتك كذوبان الثلج في حر الظهيرة، ولا مشكلة لديهم في هذا السلوك البائس وهذا النمط من العلاقات الهابطة والأخلاقية، متكئين على قاعدة «الغاية تبرر الوسيلة»، معتبراً هؤلاء بأنهم وباء وليس أصدقاء، مبيناً أن الدين معاملة وليس عيباً أو نقيصة أن يضع الشخص ثقته في صديقة، فحياة الناس مرتبطة على تبادل المصالح والأفضال، مؤكداً على أن إعطاء الثقة مطلب بين الأصدقاء، بحيث لا نسرف حتى لا نندم، مشيراً إلى أن المصالح الشخصية طغت على العلاقات الاجتماعية، ولبس كثير من ضعاف النفوس ثوب الصداقة المطرز بورود الزيف عنوةً من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية والذهاب دون رجعة، وذلك انعكاس لقلوبهم المريضة وشخصياتهم الضعيفة عافانا الله وإياكم، متغافلين أن كل شخص محاسب على عمله، وأن الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون، وإنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، قال تعالى «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ»، صدقت ربي. عبدالله الكليب متعب الكليب عبدالله الناصر جاسم العبود