لم يكن اللبنانيون بحاجة إلى واقعة انقلاب شاحنة سلاح تابعة ل"حزب الله"، في بلدة الكحالة، ليعلموا أن بلدهم بات محكوماً بسلاح ميليشيا مذهبية، يتجاوز ولاؤها حدود لبنان، لكن ما يبدو جديداً في الواقعة، أن منسوب الصبر أو التغافل عن هيمنة السلاح الحزبي، قد أضحى أقل من أي وقت مضى، سواء على الصعيد الشعبي، أو على صعيد القوى السياسية. حيث أثبتت ردود الأفعال، نفاد صبر الشعب اللبناني، حيال تغول الميليشيا، واختطافها سيادة البلاد، وقرارها الداخلي والخارجي، وليس أدل على ذلك من اشتباك أهالي بلدة الكحالة، مع عناصر "حزب الله" الذين تولوا حماية شحنة الأسلحة، ما أوقع قتيلاً في كل جانب، علماً أن هذه الواقعة لم تكن الأولى، وقد سبقتها حوادث مماثلة، لشحنات أسلحة حزبية، أثارت ردود فعل شعبية مناهضة. الجديد في حادث الكحالة أيضاً، تهافت الخطاب الممجوج، عن دور سلاح "المقاومة"، وأهميته لحماية لبنان، بعدما بات واضحاً من استدارة السلاح إلى الداخل اللبناني، ومشروعه في اختطاف الدولة، فضلاً عن خروجه على قرار لبنان بالنأي عن النفس، وانخراطه في حروب خارجية، أظهرت صفته المذهبية بشكل صريح، ولهذا لم يعد لهذا الخطاب الزائف، أي مصداقية تذكر، حتى في أوساط جمهور الحزب، وقواعده الشعبية، وما الإصرار على هذه المبررات الواهية، إلا امتداد لخطاب الحزب الميليشياوي، القائم على تزجية الوقت بالأكاذيب، والادعاءات، ريثما يكتمل مشروعه لابتلاع لبنان، والهيمنة الكلية على قراره. من نافل القول التأكيد أن لا قيامة للبنان من هذا الركام، ومن هذه الهاوية التي يتردى فيها يوماً بعد يوم، بوجود سلاح خارج عن سيطرة الدولة، وبوجود ميليشيا، تقدم ولاءها الخارجي، على سيادة الوطن واستقلاله، وقد يبدو الخلاص من هذا الوضع عسيراً ومتعذراً للوهلة الأولى، وربما حذر البعض من مآلات محاولة مواجهة مشروع الميليشيا بالقوة، وجر البلاد إلى أتون حرب أهلية جديدة، إلا أن الخيارات السلمية تبدو أكثر نجاعة هنا، عبر خلق جبهة وطنية موسعة ضد هيمنة الحزب الولائي، والترفع عن الخلافات الحزبية بين جميع الأطراف المعارضة، ونعلم أن هذا طريق طويل، لكن يتوجب على اللبنانيين أن يمضوه في سبيل خلاصهم من هذا الليل الطويل.كلمة