لا شيء يجسّد طبيعة المعركة الحقيقية للعراق مثل التهديدات العنترية لما يسمى ب«حزب الله العراقي» و«عصائب أهل الحق» والتي وجهوها لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وهي التهديدات التي لم يتستر فيها قيادي الحزب أيضاً عن عمالته لإيران حينما أكد صراحة أن ما يمس طهران يمس جميع الفصائل المذهبية التي يديرها نظام الولي الفقيه لتعثوَ فساداً في المنطقة، حتى لو كلف الأمر تدمير بلده الأم. إنها إذن معركة دولة لاستعادة سيادتها، ومنع استباحة سياستها وأراضيها من قبل ميليشيات مؤدلجة ولاؤها خارج حدود العراق، وهي معركة لا يمكن الوصول فيها إلى منطقة وسط، فإما سيادة كاملة، وإما الدخول في النفق اللبناني، إذ تصبح الدولة أسيرة توازنات طائفية، تشل الدولة، وقد تفضي إلى هيمنة فصيل واحد يمثل مصالح أخرى ليس من بينها مصلحة الوطن ذاته. يخوض الكاظمي حرباً شجاعة، مع قوى تسعى لتجاوز الدولة، وتضرب عرض الحائط بالدستور والقوانين، بل وتزدري مفهوم الشراكة في الوطن، وهي معركة لن تكون يسيرة، ففضلاً عن واقع أن هذه الحرب تمثل مواجهة غير مباشرة مع دولة أخرى وهي إيران، فإن المواجهة تجري على وتر مشدود، يتمثل في خطاب التعبئة المذهبية، الذي تمارسه الميليشيات التابعة لإيران، لتمييع القضية الحقيقية وهي سيادة الدولة، وحقها في احتكار القرار السياسي والسلاح، وبعد ذلك فإن المواجهة بين جيش نظامي وميليشيات مؤدلجة تعد عملية معقدة وغير متكافئة، إذ يلتزم الجيش النظامي بقواعد الحروب فيما لا يوليها الطرف الآخر أي اهتمام. يدرك الكاظمي جيداً، أن ليس للعراق أن يتعافى طالما بقي السم الإيراني يجري في عروقه، وطالما ظل ساحة لعبث نظام الولي الفقيه، وجماعاته، في خضم المواجهة بين طهران وواشنطن، ويدرك في الآن ذاته أن التقارب مع الجوار العربي، وإعادة الدفء للعلاقات السعودية العراقية، من شأنه أن يثير قلق إيران ومخاوفها من اشتداد عود العراق العربي، الذي عندما تعود عافيته بشكل كامل لن تجد فيه طهران مكاناً لمشروعاتها المسمومة.