يبدأ الفنان التشكيلي بخلق صلة بينه وبين انتمائه للمحيط الذي يعيش به، فالتواصل مع عناصر الفن والإحساس بضرورة التعبير عن هذا الانتماء، فبين الحاضر والماضي يكتشف المدركات والمشاعر التي يؤسس بها هويته البصرية وكيف يخلق هذه الأفكار وترجمتها بصرياً، حيث يعيد هذه التشكيلات التي تربطه بينه وبين أرضه وما يختزن من مشاهد ورموز ، وهي القاعدة التي تعمل عليها الفنانة التشكيلية عبير الخليفة، وهو ما شاهدناه في عملها الفني «كرب النخل» المعروض في معرض من الأرض في الظهران بتنظيم من مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي «إثراء» بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بالدمام. عملها الفني الذي جاء دائرياً بقطر متر و22 سم ، والمصنوع من كرب النخيل رمز الكرم والفخر والقوة والتجديد، يحمل جودة دقيقة في التنفيذ مبنية على فكرة الاستمرار والتكامل والاندماج والحضور المتوافق مع فكرة العطاء الإنساني الضامن للاستمرار الوجودي، كما استطاعت الخليفة أن تكوّن لها عالما هائلا من المفردات البصرية مبنيا على المعمار والهندسة الطبيعة والتشكيلات الملونة فيها، وكأنها في موازينها تنتقل بين كل مكوّنات الحياة في وطنها من النخيل والتراب والصخور والرمال إضافة إلى الخامات المجتمعة في الأقمشة والطين والفخار فمن كل تكوين وتفصيل تختار رموزها بحكمة بصرية وبهدوء فني متقن الترتيب، ومن كل حكاية تشكّل عبقا كان لها فيه حس وانتماء، لتقدّم ابتكاراتها إما على مسطحات اللوحات أو من خلال القماش أو الخيوط التي تكوّن منها منجزاتها أو سعف النخل الذي تضيف إليه فكرتها وتفاصيل انتمائها. عبير الخليفة رحلتها الفنية تكشف عن شغف مُلوّن وتفاصيل مُتنوّعة، فهي لم تتوقّف قدمت الكثير من الأعمال الفنية في الرسم والطباعة والتركيب فقدمت مفاهيم جديدة غير مألوفة ولكنها توازت وتوازنت مع كل ذلك وذاك وهي تستدرج علاماتها البصرية التي تستقيها من موروثها وتنبش عنها لتعيد ابتكارها بتعبير أكثر دلالة عن بيئتها. انشغالها على تطويع الخامة يقدّمها بأكثر معاصرة ويعيد معها تصنيف مفرداتها التشكيلية وتكوّنها حسب مفاهيمها البصرية، فهي تعدّ من التشكيليات السعوديات اللاتي تواصلن مع البيئة بشكل جمالي، فهي فنانة ومدربة في الفنون حاصلة على الماجيستير في الإدارة التربوية وبكالوريوس فنون، دفعها شغفها بالطبيعة ومزجها مع تعابيرها الفنية إلى الاهتمام بالموروث الخاص بمنطقتها وبالتالي سعت إلى إنشاء ستوديو خاص بها تمارس وتبتكر فيه مفاهيمها الفنية وتفتح فيه أبواب التواصل الجمالي أمام المهتمين والفنانين مستوحى من تفاصيل المنطقة الطبيعية والموروث الثقافي لمنطقة القصيممسقط رأسها، انظمت سنة 2009 لجمعية الثقافة والفنون بالقصيم، حيث عرفت بنشاطها وبحثها وتنوعها المتفرّد في صقل الخامة وابتكار الفكرة من جماليات الأمكنة وقد كان انتماؤها للجمعية نقطة انطلاقها الفعلية للمشاركة في المعارض التشكيلية والتعريف بالهوية الفنية التي تقدّمها. *كاتب في الفنون البصرية