على الصعيد المحلي، ربما تساءلت يومًا لماذا لا توجد لدينا إستوديوهات أفلام مستقلة (independent film studios)؟ لماذا لا يستثمر رواد الأعمال والمستثمرون في مجال صناعة الأفلام؟ هل صناعة الأفلام تقتصر على من يتعاملون مع الشركات الكبرى؟ لنبدأ بما تفعله شركة الأفلام المستقلة وأدوارها في عملية صناعة الأفلام. دائمًا ما تكون شركات الأفلام المستقلة (20th Century Fox أو Paramount Pictures) منفصلة عن إستوديوهات الأفلام الكبرى (HBO, Disney) في صناعة السينما، حيث تميل شركات الأفلام المستقلة هذه إلى تقديم ميزانيات أقل عند تمويل الأفلام، على عكس شركات الأفلام الكبيرة. ومع ذلك، من الممكن أن تحصل بعض الأفلام المستقلة على ميزانية عالية توازي ميزانية الإستديوهات الكبرى. تتمحور قوة شركات الأفلام المستقلة في عملها جنبًا إلى جنب مع المخرجين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما يجعل الفيلم "مستقلًا" هو سيطرة المخرج الكاملة على العملية الإبداعية في صناعة الفيلم والتحكم الكامل بالنسخة النهائية للعمل. لذلك، يتركز دور شركات الأفلام المستقلة في خانة تمويل الفيلم وتوزيعه، ويُعرف أيضًا عن هذه الإستديوهات إنتاجها لنوع مختلف من الأفلام، الأمر الذي أدّى لسهولة تعرُّف كثير من المشاهدين على صانعي الأفلام المستقلين. لا تتمتع الأفلام المستقلة - بشكل متعمّد - بالنمط والأسلوب التقليدي الذي تشعر به حين تشاهد العديد من الأفلام السائدة في دور السينما لدينا وعلى منصات العرض (نيتفليكس، شاهد). يتم رفض الكثير من صانعي الأفلام من قبل إستوديوهات الأفلام الكبرى، إذا كان العمل "مختلفًا" للغاية أو لا يصل إلى الحقول والقصص مضمونة الأرباح التي يبحثون عنها. هذا لا يعني سوء الفيلم أو ركاكة قصة المخرج، بل ببساطة عدم تلبيته للمتطلبات التي ترغب إستوديوهات الأفلام الكبرى في الاستثمار فيها. صناعة الأفلام تبدو غير مربحة في أعين كثير من المستثمرين، لأن إنتاج فيلم بقيمة مليون ريال وعدم اليقين والتأكد التام بعودة هذا المليون هو سيناريو ذو نهاية تعيسة كما يتخيلون، وعدم وجود إستديوهات أفلام مستقلة تدعم هذه الفكرة زرع أيديولوجية الخوف التي تقوم على معادلة غير صحيحة تظلم الإنتاج المحلي، ولكن في الكفة الأخرى وفي سنة 2012 تحديدًا، تأسست شركة A24 وهي شركة ترفيه أمريكية مستقلة متخصصة في الإنتاج السينمائي والتلفزيوني وتوزيع الأفلام. يقع مقر الشركة في مانهاتن. وبعد إحدى عشرة سنة من إنتاج أفلام فنية فريدة ودعم للسينما المستقلة وصناع الأفلام المختلفين، أنتجت مؤخرًا A24 فيلم Everything Everywhere All At Once سنة 2022 محققًا أرباحاً تصل إلى 140.2 مليون دولار أمريكي بميزانية 14.25 مليون دولار أمريكي وفقًا لموقع IMDB، ومترشحًا لثلاث مئة وتسع وأربعين جائزة وفوزه بسبع جوائز أوسكار من ضمنها أفضل فيلم، متفوقًا على أفلام أضخم الإستوديوهات في هوليوود Apple studio، Netflix, Universal Pictures ومخرجين مثل Steven Spielberg، مثبتًا أن استخدام أسماء مشهورة وإنفاق ميزانيات كبيرة ليس مقياساً للفيلم الناجح وأن الإستديوهات الصغيرة لها فرصة كبيرة في المنافسة وإنتاج أعمال بدون إنفاق ما تنفقه الشركات العملاقة. يبدو الأفق مشرقًا لبناء سينما محلية ملهمة بموارد سينمائية تدعم المساحة الإبداعية لصناع الأفلام، ولكن كما يبدو أن هذه الصناعة أصبحت مرتبطة بشكل أكبر بحجم الفيلم وإيراداته المتوقعة التي يعتقد البعض أنها هي الضمان لصناعة فيلم فريد.. في سنة 1957 بالتحديد في شهر فبراير يوم 16 كان موعد عرض فيلم The Seventh Seal تدور أحداث الفيلم عن فارس يعود إلى السويد بعد الحروب الصليبية يسعى للحصول على إجابات حول الحياة والموت وهو يلعب الشطرنج ضد قابض الأرواح في حقبة الطاعون الأسود، الفيلم للمخرج السويدي Ingmar Bergman الذي يصنف كأفضل المخرجين في تاريخ السينما العالمية، أنتج بيرمنقهام فيلم The Seventh Seal بميزانية 150,000 دولار فقط، ويضع البعض الفيلم في خانة أفضل الأفلام في التاريخ ويُعد من الأمثلة التي يحتذى بها في إنتاج الأفلام المستقلة بميزانيات محدودة، تكثر الأمثلة التي تدعم فكرة الإستديوهات المستقلة وأنها وسيلة فعالة لبناء ثقافة متكافئة الأطراف تُتيح المساحة لظهور مخرجين سعوديين فريدين وإستديوهات سعودية تنتج أعمالاً كلاسيكية تهدف لتغذية مكتبة الأفلام المحلية، لا دور السينما. محمد عبدالله الأنصاري