بدأت الكاتبة آمال شتيوي مع الومضة لتؤسس أرضيتها نحو عالم الإبداع الفسيح، وتصدر لها مؤلفين الأول بعنوان: "قاب جرحين"، والثاني: "غيمة في يدي" لتعكس محمولات العناوين الرمزية مسارات الدلالة الكائنة والممكنة والمحتملة. لتنتقل بعدها إلى عالم القصة، ثم الرواية، خارقة بذلك أفق توقع المتلقي ليس فقط بهندسة التشكيل اللغوي لنصها الروائي الأول، أو تقنيات الصياغة الفنية، بل لكون موضوعها اتخذ مسارا سرديا متعرجا بين الارتداد والآنية والاستقبال، ليعكس خصوصية مطلقة لما يحويه من مدلولات لها تأثير عميق وواضح على المستويين الفردي المحلي والعالمي، وكذا التوالد أو الانشطار القصصي داخل نواة الرواية، حيث تروي حقائق عايشها الشعب الجزائري إبان فترة الاحتلال الفرنسي والثورة التحريرية، لتمضي حقبا نحو سرد ما حدث بالجزائر في فترة العشرية السوداء من أحداث أليمة ووقائع فظيعة، ثم فترة كورونا الكارثة الإنسانية ذات الصدى العالمي والتي أودت بالملايين من البشر بين مصاب ومتوفى، ناهيك عن امتداد تأثيرها ليشمل كل مناحي الحياة خاصة منها: الاقتصادية والصحية والاجتماعية، ليكون بذلك نصها "قيد انطفاء"، مرآة عاكسة وفيلما مصورا يختزل كل ذلك بأسلوب سردي شيق وممتع، ولغة فنية، ورؤية إبداعية ابتكارية راقية، ولا نحسب أننا ندعي إذا قلنا أن "قيد انطفاء" هذا المؤلف الروائي المتوسط الحجم قد استطاع أن ينقلنا عبر المحطات المذكورة ببراعة، وأن يجعلنا نتمثل ذلك بعدسات المخيلة لقطة بلقطة ومشهدا بمشهد عاكسا في أتونه وبإيجاز جميل العديد من القضايا والمدلولات ذات الصلة الوثيقة بالذات والجماعة والوطن والعالم أجمع. ولا ننسى تناولها لقضايا اجتماعية ذات الخصوصية المحلية والانتشار الواسع داخل تشكيلات المجتمع، وفق إيقاع درامي تارة، ورومانسي عميق تارةٌ أخرى، وتعبير يتراوح بين المباشرة والرمزية المفعمة بروح الشاعرية، والنسق الدينامي المتغاير من سطر لآخر ومن جملة لأخرى، وهذه المقدرة الفنية تعود لكون المبدعة تمتلك خيالا واسعا وحيويا، ورؤية متعددة الأبعاد، وشغفا بالكتابة، وجدية في الطرح ما يؤهلها للخوض في أي موضوع بكل سلاسة ومرونة. ونحن نقلب صفحات الرواية تدهشنا الصيغ التعبيرية المتينة والمشحونة بدقائق الوصف والحوار والسرد والتخييل والرمز والمشهدية والتأريخ.. الخ، ولا شك أن هذه التراكيب المحكمة والقائمة على الثراء التقنياتي والروح التجريبية تشكيلا وموضوعا والتعدد السماتي المنعكس من ثنايا الصياغة اللغوية المتشحة برذاذ التماهي الثلاثي الأبعاد: (الرومانسي والواقعي والتخييلي) يعمق تأثيره على القارئ سواء كان عاديا أو من النخبة، وعليه ندعو كل من يود استكشاف الجدة في الطرح، والتحكم في الصياغة والتجريب على نحو متين أن يطلع على هذا العنوان ويعمل على استنباط جواهره، وإمتاعنا بما فيه من ظواهر وخفايا ضمن دراسات وبحوث تعكس أصالة النص وعبقريته. * ناقد وأكاديمي جزائري