قابلت صديقاً مُقرّباً لي، تحدث بألم عن أحد رفقاء دربه الذي هجره سنين طويلة، قائلاً: "لا أصدّق أن ذلك الشخص يتركني كل هذه الفترة، بل إن صدمتي كانت كبيرة عندما حاولت الاتصال به هاتفياً وكذلك عبر برنامج الواتساب إلاّ أنه في كل مرة يتجاهلني دون رد"..! المقدمة التي ذكرتها تطرح مشكلة تعترض علاقاتنا مع أحبابنا وأصدقائنا وكذلك أقاربنا، ألا وهي "كثرة التشرّه"، مما يسمح لهم بأخذ مساحة كبيرة من تفكيرنا وطرح عدة أسئلة كلها تصب نحو الألم الداخلي والانكسار العاطفي، على أمل أن يأتي اليوم الذي نلمس فيه اهتمامهم بنا، واتصالهم علينا، إلاّ أن الصدمة تكون قوية بأنهم لم يفكروا بنا أساساً..! في هذا الزمن السريع جداً، وفي هذا الوقت الذي انشغل به الجميع لا تترك مجالاً لأحد أن يؤثر على نفسيتك، أو على وضعك مع عائلتك، أو حتى في مكان عملك، حاول أن تعيش حياتك دون عتب على "فلان"، أو تشرّه على "علاّن"؛ لأنك إن فعلت ذلك ستعيش مرتاح البال، بل وسعيداً بكل تفاصيل يومك حتى وإن كانت مرهقة، أمّا إذا استسلمت لتلك الأفكار التي تجعل كل من حولك هم المخطئون، وأن عليهم التواصل معك بشكل مستمر، والاتصال عليك، والرد بشكل سريع على دردشاتك في مواقع التواصل، فهنا ستقع في شر "السلبية" التي لن تتركك إلاّ وقد وجدت نفسك تُفضّل "الوحدة"؛ بسبب أنك علّقت سعادتك بهؤلاء، وأن صدمتك كانت كبيرة بهم، مما جعلك لا تثق بغيرهم وأن البقاء في المنزل أفضل وأسلَم!! عيشوا حياتكم بسلام، ومن يتجاهلكم ابتعدوا عنه، ولا تحاولوا أن ترمموا ما بقي من علاقاتكم، لأن محاولة الترميم ستؤثر عليكم، وقد لا تُجدي نفعاً، وهي من باب التشرّه الذي سيشغلكم عن أحباب بجواركم لكنكم لم تروهم جيداً. للأسف أن أغلبنا تتحكم فيه العاطفة، وقد يتصور أن غياب البعض سيجعل أوضاعه مضطربة، أو تعيسة، وهذا أكبر خطأ يرتكبه، فالناس كُثر، والعلاقات تتجدد، ولا يمكن أن نُبرم عقداً طويل الأجل مع أحدهم يُبنى على التواصل الدائم وعدم الانقطاع، وفي النهاية اجعل حياتك تسير وفق ما خطط له الخالق عز وجل، ولا تتأثر بهجران، أو عدم رد، أو حتى عدم سؤال أحدهم عنك.