بقدر ما يسّرت ثورة الإنترنت الوصول إلى المعلومة، وقدرة الفرد على أن يكون وسيلة إعلام بحد ذاته؛ بقدر ما أوهمت الكثيرين بسراب المهارة الاتصالية! بينما الواقع مختلف عن ذلك تماماً! بدأت القصة منذ بدايات انتشار الإنترنت منتصف التسعينات، حينما ظهرت المنتديات، ثم سهولة إطلاق المواقع الشخصية، لاحقاً ظهرت الصحف الإلكترونية، حتى طوفان منصات التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها، فأضحى مجرد وجود بريد إلكتروني مجاني الشرط الوحيد حتى تتمكن من التسجيل، ثم الإبحار بما تريد نشره في الفضاء، من دون أي خبرة أو دراية! اليوم يعتقد الكثيرون أنه من السهل أن تمارس التواصل، من دون أن أي دراية أو خبرة، فالأمر لا يحتاج سوى رص بضع كلمات أو لصق صور، ثم نشرها في حسابك الشخصي، من دون إدراك عواقب ما تنشر، سواء على المستوى الشخصي أو الوطني، على المدى القريب أو حتى البعيد. عزّز ذلك موجة ما أطلق عليها "صحافة المواطن"، التي اعتمدت على فكرة أن الشخص يعد وسيلة إعلامية، نظراً لكونه قادراً على إنتاج المادة الاتصالية من هاتفه الذكي، ثم نشرها في الآفاق، عبر برامج التواصل الجماعي أو منصات التواصل الاجتماعي، مع تجاهل أن ممارسة العمل الإعلامي من دون وجود المهارات والخبرات قد تؤدي - وهو ما يحدث دوماً - للوقوع في ما لا تحمد عقباه! والأسوأ التأثير بشكل سلبي وحاد على حياتك أو حياة أفراد آخرين، بل وقد يصل لتشويه صورة فرد أو حتى أمة! من دون أي خبرة في بناء المحتوى، وغياب لإدراك الأنظمة والإجراءات، وتجاهل لحقوق الملكية الفكرية، يواصل الفرد تفاعله اللحظي في منصات التواصل الاجتماعي، وقد يحقق الانتشار في بعض المواد، مما يجعله مشهوراً أو مؤثراً، فيتلبس دور "الإعلامي"! من دون أن يكون متسلحاً بالمهارات والخبرات اللازمة، فيكون معرضاً للهفوات، التي تكلف بعضها غالياً، سواء من فقد الأصدقاء حتى الدخول في قضايا ومطالبات، من تدمير حياة الآخرين إلى الحرمان من الحصول على فرصة عمل، حتى الاضطرار للانسحاب القسري من العالم الافتراضي. امتد ذلك إلى عالم الأعمال، فالمدير مهما كان تخصصه بعيداً عن علوم التواصل أمسى لا يجد حرجاً في توجيه استراتيجيات التواصل، والتدخل المباشر في محتوى المواد الإعلامية، فهو فاعل في منصات التواصل الاجتماعي، يكتب هنا ويعجب أصدقاءه هناك بما ينشر، أفلا يستحق أن ينقل نجاحه "المفترض" من العالم الافتراضي إلى الواقع؟! ولكن ما يحدث وبسبب غياب التخصص أن يؤدي هذا التدخل إلى عواقب غير مأمولة. الممارسة الإعلامية ليست سهلة كما تبدو من الخارج، فالحصول على النتائج المرجوة من أي محتوى يحمل أهدافاً اتصالية يحتاج تخطيطاً وتنفيذاً مُحكماً، يعتمد على وجود مهارات وخبرات إعلامية، ليس من الصعب اكتسابها، لكن من الضروري وجودها.