«نحتاج إلى ست تغريدات، ومقطع رسوم متحركة، وخبر صحفي قبل وبعد الفعالية، وتغطية ثلاثة من مؤثري التواصل الاجتماعي».. هكذا تدار أغلب الحملات الإعلامية، بالقفز مباشرة إلى اختيار الأدوات وتحديدها، دون إدارك أهمية وجود خطة تواصل استراتيجية، مما يؤدي بتلك الحملات إلى الفشل وعدم تحقيق الأثر المنشود. تعود أسباب هذا التجاهل المتكرر إلى الاهتمام بسرعة الإنجاز دون التأثير، مع محاولة إثارة ملاحظة المسؤول عبر مشاهدة للحملة في المنصات التي يتابعها، مما يوهمه أن الحملة قد وصلت إلى فئاتها المستهدفة، بينما هي تدور في فلك مغلق دون تأثير حقيقي! ناهيك عن الجهل بأهمية وأثر «التواصل الاستراتيجي»، الذي حينما يطبق كما تشير الأدبيات حتماً سوف يؤدي إلى نتيجة ملاحظة، لذا لا بد أولاً من وجود خطة تواصل استراتيجي مكتوبة، يعتمد عليها ويلتزم بحدودها ومنطلقاتها، الأمر الذي يجعل تخطيط وتنفيذ أي مبادرة اتصالية عملية واضحة المعالم، سهلة التأثير، قابلة للقياس. هناك العديد من المسميات والتعريفات التي تتناول «التواصل الاستراتيجي»، ولكنني من خلال اهتمامي وتجربتي خلال العشرين عاماً الماضية في ميدان التواصل المختلفة؛ خرجت بهذا التعريف الذي أعتقد أنه يجمع شتاتها: «التخطيط الممنهج لأهداف وسياسات وأنشطة تدفق المعلومات داخل المنظمة ونحو خارجها». أي أنه مظلة شاملة لجميع أنشطة التواصل، مثل: التواصل المؤسسي، والتواصل الداخلي، والتوعية، والتسويق، والعلاقات العامة، والإعلام بشقيه؛ التقليدي والرقمي. خطة التواصل الاستراتيجية يجب أن تنطلق من الأهداف الاستراتيجية للمنظمة، بحيث تستخرج منها الأهداف الاتصالية، ثم الرسائل المركزية، التي يجب أن تكون مضمّنة في المبادرات والأنشطة الاتصالية المحددة في الخطة، ومنها إلى مستوى «التكتيك» وهي الفعاليات والأنشطة قصيرة المدى، التي تنفذ عبر القنوات والمنصات المناسبة لتحقيق أهداف المشروع المحدد والمتوافق مع أهداف الاستراتيجية الاتصالية، مما يجعل جميع الأنشطة الاتصالية معضدة لبعضها البعض، وداعمة لمزيدٍ من انتشار وتأكيد الرسالة، دون إغفال ضرورة مشاركة أهم أصحاب المصلحة داخل وخارج المنظمة في جمع مدخلاتها. كذلك من أهم مخرجات الخطة هو صياغة السياسات والإجراءات التي تكفل الاتساق مع الخطة واستمرارية العمل المؤسسي، ولتكون درعاً واقياً عن الوقوع في فخ العمل الفردي الذي ينتهي بانتهاء عمل الفرد، ولا يستمر على نفس المستوى وبنفس الأداء الذي تضمنه إجراءات العمل الموثقة والمعمتدة، ناهيك عن التخطيط للاستعداد لأي أزمة قد تحتاج تحركاً اتصالياً. التخطيط وبالذات الاستراتيجي منه ليس ترفاً، فهو المعين الأول لكفاءة الإنفاق، وحسن الاستفادة من الموارد، ومنع الانحراف عن الأهدف، الذي غالباً ما يكون نتيجة توجيهات الإدارة العليا، التي سوف تتوقف عن طلب تنفيذ انشطة اتصالية غير مخطط لها متى ما كانت خارج دائرة الخطة الاستراتيجية المعتمدة، وهو ما يفسح المجال لمختصي التواصل التركيز على إنجاز خطتهم وتنفيذ أنشطتهم، وبالذات تحقيق التواصل الفعال للمنظمة، وهو الهدف النهائي لكافة أنشطة التواصل الاستراتيجي في المنظمات.