أدى تراجع التدين في المجتمعات الغربية منذ زمن إلى الجرأة على التوسع في ابتكار أساليب عيش متنوعة ترمي باتجاه حرية مطلقة تمكّن الفرد من ممارسة رغباته وشهواته بعيداً عن مراعاة أيّ بُعد ديني أو فطري أو أخلاقي، ومن بين ما طاله التوسّع في قضايا الأحوال الشخصية "الزواج" الذي يُعد في عُرف الشرائع السماوية سبيلاً وحيداً لحفظ النسل واستمرار الجنس البشري؛ فكان لِزاماً أن يُبنى على أسس راسخة من العدل والحق وقيم الأخلاق. ومن مظاهر التوسع المذكور ما بات يعرف بزواج "المساكنة"، ويسميه البعض "زواج الطيور"؛ وهو عبارة عن العيش معًا بين اثنين من دون عقد زواج شرعي رسمي، ومن دون أي حقوق أو التزامات، مع إمكانية ممارسة العلاقة الزوجية بينهما وإنجاب الأبناء إن رغبا في ذلك، كل ذلك بداعي تقليل نفقات الزواج الشرعي المنضبط. والمساكنة بهذا التعريف وهذه الصورة ليست إلا صورة من صور الزنا المحرم في عموم الكتب السماوية، ومنذ ظهور المساكنة واشتهاره هناك لم يكن الشك يساور بعض الحقوقيين والمتابعين للقضايا الاجتماعية في أن يتسلل - بحكم العولمة - شيئاً فشيئاً إلى المجتمعات الإسلامية المحافظة كما تسلل الزواج المدنيّ قبله. أكتب هذه المقالة والمنصة العالمية "تويتر" تعج ب"الروائج" عن المساكنة بعد أن فاحت رائحتها وبعد أن كانت مغلّفة بالسرية الشديدة؛ مما اضطر بعض جهات الإفتاء المهمة في العالم الإسلامي (الأزهر) إلى التدخل لبيان حكمها والحدّ من انتشارها، وتأتي شبهة المشابهة بين المساكنة المحرّمة وبين زواج المسيار في مقدمة حجج المتفهّمين لهكذا علاقة بين الرجل والمرأة، مع أن المسيار وإن كان فيه تنازل عن بعض الحقوق من أحد طرفيه إلا أن ذلك التنازل لا يمسّ أيّاً من الأركان والشروط المعتبرة لشرعية الزواج، بل يتم غالباً داخل المحاكم وتحت رقابتها الشرعية والنظامية، وهذا ما يفتقده زواج المساكنة الذي ينشأ بين طرفيه بمنأى عن أركان وشروط صحة الزواج في ظلّ ضبابية قاتمة بحقوق الزوجين والذرية مما تنشأ معه أعباء اجتماعية واقتصادية معقّدة تستعصي على الحلول.